ومن أن التصديق ممتنع من الميت فجرى مجرى الصبي، والمجنون في كون الحاق نسبه غير مشروط بالتصديق وقد يمنع اشتراط التصديق في لحوق البالغ مطلقا، هكذا قيل.
وفيه نظر، لعدم نهوض الدليل بذلك، ويجري الوجهان فيما إذا استلحق مجنونا تجدد جنونه بعد بلوغه كاملا سواء استلحقه حيا أو ميتا. والذي يقتضيه الدليل الذي عليه التعويل عدم الثبوت في الموضعين، لأن ثبوت نسب الغير بمجرد قول غيره على خلاف الأصل ولا نص ولا إجماع على ذلك فيستمسك بالأصل إلى أن يثبت الناقل.
وقد تردد العلامة في التذكرة وأفتى به في القواعد ومثله في التحرير وكذا أول الشهيدين في الدروس وقبلهما المحقق والشيخ في المبسوط مدعيا أن الخلاف فيه. فعلى هذا المعتمد الذي عليه الأصحاب وكذا المجنون لا يعتبر تصديقه كما لا يعتبر تصديق الصغير إذ لا اعتبار بعبارته. ولا خلاف في ذلك، وإنكاره بعد الإفاقة كإنكار الصبي بعد البلوغ.
الرابعة: هل يشترط التصديق من الولد الكبير عند إقرار الأب إذا كان أهلا لذلك؟ قولان قد أشرنا إليهما فيما سبق، والمشهور اشتراطه، والنصوص خالية منه بالخصوص، وهو الأقرب لأن الاقرار بالنسب يتضمن الاقرار في حق الغير، فحقه أن لا يسمع ولأنه أمر إضافي، فيتوقف على تصديقه أو البينة، وسقوط ذلك في الصبي والمجنون بالنصوص والاجماع لتعذر التصديق منهما، فلا يوجب السقوط هنا اقتصارا في مخالف الأصل على موضع الوفاق، وهو مختار الشيخ في المبسوط وابن إدريس وابن الجنيد.
وقال الشيخ في النهاية: إنه لا يعتبر التصديق من المقر به لأن ذلك إقرار في حق نفسه وإلا لم ينفذ مع الصغير، وضعفه ظاهر لحصول التوارث من الطرفين فالأصح إذا الأول.