وقوله تعالى (آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والأبكار) (1) فأمره بالتسبيح وذكر ربه كثيرا مع قطع الكلام عنه، فكأن الظاهر من الآية كون المأمور به ترك كلام الناس لا مطلق الكلام كذكر الله وقوله صلى الله عليه وآله (أفضل الكلام أربع سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر) (2) و (لا إله إلا الله كلمة ثقيلة في الميزان خفيفة على لسان) (3).
وهذا أقوى.
ثانيهما: أنه لا يحنث في الكلام بالكتابة والإشارة لأنهما لا يسميان كلاما لغة ولا عرفا لصحة قولهم: ما كلمه وإنما كاتبه وأشار إليه، ولقوله تعالى (إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا (4) فأشارت إليه) ولو كانت الإشارة كلاما لامتنعت منها.
وذهب جماعة من علماء العامة إلى حصول الحنث بذلك لقوله تعالى (وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا) (5) استثنى الرسالة من التكليم فيدخل الآخران بطريق أولى، ولاستثنائه في الآية السابقة الرمز من الكلام وهو حقيقة في المتصل، ولا فرق - على هذين التقديرين - بين إشارة الناطق والأخرس، وإنما أقيمت إشارة الأخرس مقام النطق للضرورة كما تقدم في أحكام الأخرس.
الثامنة والعشرون: إن الحنث يتحقق بالمخالفة اختيارا سواء كان بفعله أو فعل غيره، كما لو قال: لا أدخل بلدا فدخل هو بفعله أو قعد في سفينة فسارت به أو ركب دابة أو حمله إنسان، ولا يتحقق الحنث بالاكراه ولا مع النسيان ولا