وأنكر ابن إدريس ذلك وقال: لا يضر الحالف على الهبة بالصدقة، ومن جملته جواز الرجوع في الهبة على بعض الوجوه دون الصدقة.
وقد استشكل المحقق تناول الهبة للوقف والصدقة لما ذكر، والأقوى عدم دخول الوقت مطلقا فيها، وكذا الصدقة إذا كانت واجبة. أما المندوبة ففي دخولها احتمال لمكان اشتراكهما في التبرع بالعين، واشتراط القربة في الصدقة لا ينافيه لكون القربة تشتمل عليها الهبة وإن لم تكن شرطا، فيتداخلان تداخل العموم والخصوص.
ويقال: إن كل صدقة هبة ولا تنعكس كليا، وربما دخلت الوصية في تعريف الشيخ أيضا لكونها عطية متبرعا بها، غايتها أنها بعد الموت، وليس في إطلاق العطية ما يخرجها، نعم دخولها في الهبة أبعد.
الخامسة والعشرون: إذا حلف لا يفعل لم يتحقق الحنث إلا بالمباشرة له، فإذا قال: لا بعت أو لا شريت فوكل فيه لم يحنث. أما لو قال: لا بنيت بيتا فبناه البناء لأمره أو باستئجاره فهو موضع خلاف، فقيل: يحنث نظرا إلى العرف، والوجه الصحيح أنه لا يحنث. ولو قال: لا ضربت فأمر بالضرب لم يحنث. وفي أمر السلطان تردد، أشبهه أنه لا يحنث إلا بالمباشرة أيضا. والسر في ذلك الخلاف في أنه هل يقدم اللغة على العرف أو بالعكس؟ حيث لم يكن العرف شرعيا وإلا وجب تقديمه بالاتفاق.
وأما التعارض بين الحقائق اللغوية والعرفية فهي موضع ذلك الخلاف، وفيها وجهان مبنيان على ترجيح المجاز الراجح والحقيقة المرجوحة، فإن استويا في الاستعمال صار كالمشترك في المنع من ترجيح أحد أفراده بغير قرينة أو الحمل على الجميع على قوله، وهذه المسألة ترجع إلى جميع هذه القاعدة، لأن البناء حقيقة لغوية في مباشرته ومجاز في الأمر به، لكن قد غلب العرف في ذلك حتى أنه لا يتبادر من قول القائل: بنيت دارا وفلان بنى بيتا إلا هذا