أما لو نذر النحر أو الذبح بغير مكة أو منى أو سائر الأرض ففي انعقاده قولان أحدهما - وهو قول الشيخ في المبسوط - ينعقد لعدم التعبد بذلك شرعا، ولأن متعلق النذر طاعة ولا طاعة في غير البلدين، وقوى المحقق الانعقاد، وهو اختيار الشيخ في الخلاف لعموم الأمر بالوفاء بالنذر وخصوص صحيح محمد ابن مسلم (1) عن باقر عليه السلام (في رجل قال عليه بدنة ينحرها بالكوفة، قال:
إذا سمى مكانا فلينحر فيه) وبهذا يظهر قوة هذا القول.
وقد يستدل به على ما ذهب إليه أول الشهيدين وجماعة من انعقاد نذر المباح، لأن الذبح في غير البلدين ليس طاعة بمجرده إلا أن يجعل نذر المكان وقع تابعا مع خروجه في الحقيقة - كما تقرر فيما سبق - وهل يلزمه مع ذلك تفرقته في فقراء تلك البقعة أم لا؟ قولان، المحقق وجماعة على وجوب تلك التفرقة، محتجين بأن المقصود من الذبح أو النحر ذلك، ويشكل بما مر من قريب من أنه ليس بمنذور، ولا لازم له، فله التفرقة أينما شاء كما هو خيرة المختلف، نعم لو ذل العرف على التفرقة فيه وجب المصير إليه.
ولو نذر الذبح أو النحر مطلقا فالخلاف الخلاف، فعلى الانعقاد يجزيه الفعل مطلقا.
ولو نذر أن يهدي بدنة، فإن نوى كونها من الإبل لزم، وكذا لو لم ينو لأنها عبارة عن الأنثى من الإبل، كما نص عليه أهل اللغة، وليس في العرف ما يخالفه.
نعم قد ذهب بعض العامة إلى أن اسم البدنة يقع على اسم الغنم والبقر والإبل جميعا، فإذا نوى شيئا منها بعينه فذاك، وإلا كان له الخيار.
وله قول آخر أنه يتخير بين كونها من الإبل وبين بقرة أو سبع شياه، لأن المعهود من الشرع إقامة كل منها مقام الآخر وهما في موضع المنع.