فلا بد فيه من إضمار الأعمال المعتبرة شرعا أو التي يترتب عليها أثرها وغايتها ونحو ذلك، وهو يدل أيضا على التغاير بين النية والعمل وإن كانت من شروطه.
وكون (الباء) للسببية لا يدل على أزيد من ذلك لأنه يدل على أن النية سبب في اعتبارها، ولا يلزمه منه حصر السببية فيها لأن بعض الأسباب قد يكون ناقصا وقد يكون تاما، فمطلقه أعم من التام، والأمر في الأعمال المعتبرة من شروطه كذلك، فإن النية لا يكفي في اعتبارها من غير انضمام باقي ما يعتبر فيها من الأسباب والشروط، فالنية إذن من الأسباب الناقصة لا التامة. ونمنع من كون الغرض من اللفظ ذلك الاعلام بما في الضمير مطلقا، بل هو في العبارات تعبد بدني ملحوظ بالاعتبار كما تعتبر النية فيه، وذلك واضح ليس عليه غبار في العبادات اللفظية المفتقرة إلى النية، فإن كلا منهما لا يجزي عن الآخر في الاعتبار وإن كان الله تعالى هو العالم بالأسرار.
وأما الآية الدالة على المحاسبة - على ما يخفوه - فلا دلالة لها على انعقادها بالضمير مطلقا كما لا يخفى على ذو الفطنة والاختبار.
وذهب الإسكافي من المتقدمين والحلي في السرائر والمحقق في الشرائع والعلامة في أكثر كتبه وتبعهم باقي المتأخرين إلى اشتراط التلفظ بهما حسب ما شرطته الأخبار السابقة لقول الصادق عليه السلام في صحيحة منصور بن حازم (1) (ليس بشئ حتى يقول لله علي...) إلى آخره وقوله عليه السلام في صحيحة أبي الصباح الكناني (ليس النذر بشئ حتى يسمي شيئا لله). إلى غير ذلك من الأخبار - التي قدمنا ذكرها - الدالة على اعتبار القول، ولأنهما من قبيل الأسباب فلا يكفي أقوى، وإن كان دليل السبب لا يخلو عن شئ لكون الأسباب لا تنحصر في ألفاظ، والله العالم بالصواب.