والقول الثاني: بقاء الحنث، وهو مذهب القاضي ابن البراح، لأن الإشارة وقعت على العين وهي باقية، ولأن الحنطة إنما تؤكل كذلك غالبا فيكون بمنزلة أن يقول: لا آكل هذا الكبش فذبحه وأكله، ولأن الحقيقة النوعية لا تتبدل، وإنما المتغير بعض أوصافها، بخلاف ما لو صارت الحنطة حشيشا والبيض فرخا.
وكذا الحكم فيما لو قال: لا آكل من هذا الرطب فصار تمرا أو هذا البسر فصار رطبا أو العنب فصار زبيبا أو لا أشرب من هذا العصير فصار خلا. وقد ذكر أنه باحث شيخه في ذلك، وأورد عليه أن عين الحنطة باقية وإنما تغيرت بتقطيع الأجزاء الذي هو الطحن. فأجابه الشيخ بأن متعلق اليمين مسمى الحنطة والدقيق لا يقال عليه هذا الاسم، فينتفي الحكم بانتفاء هذا الاطلاق كما أن الخبز لا يسمى دقيقا، فألزمه بأن من حلف أن لا يأكل هذا الخيار والتفاح ثم قشره وقطعه وأكله لا يحنث، ولا شبهة في أنه يحنث. فالتزم بمثل ذلك في الخيار والتفاح وهو التزام ردئ.
والحق أن الخيار والتفاح لم يخرجا عن مسماهما بالتقطيع ولا حدث لهما اسم زائد على كونه خيارا مقطعا أو تفاحا مقطعا، بخلاف الحنطة المطحونة فإنها لا تسمى بعد الطحن حنطة لغة ولا عرفا إلا على طريق المجاز، وبهذا حصل الفرق بينهما، فأوجب الحنث في أكل الخيار المقطع والتفاح، بخلاف الدقيق.
والعلامة في المختلف بعد أن نقل كلام الشيخين واعترض عليه وحقق المسألة بما حاصله يرجع إلى اختيار كلام القاضي في الحنطة والدقيق، بخلاف الرطب إذا صار تمرا والعنب إذا صار زبيبا ونحو ذلك وجعل الفرق إنما يحصل للأكل حالة اليمين على حالته التي هو عليها يتعلق التحريم به على حالة تؤكل كالحنطة والدقيق فيحنث بأكلها خبزا.