ناوليني لأن دخولها المسجد لوضع الخمرة فيه لا فرق بينه وبين دخولها إليه لاخراجها، وقد تقدم الكلام على ذلك. وأخرج مالك في الموطأ عن ابن عمر أن جواريه كن يغسلن رجليه ويعطينه الخمرة وهن حيض.
وعن جابر قال: كان أحدنا يمر في المسجد جنبا مجتازا رواه سعيد بن منصور في سننه. وعن زيد بن أسلم قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يمشون في المسجد وهم جنب رواه ابن المنذر.
الحديث الأول أخرجه أيضا ابن أبي شيبة، وقد أراد المصنف بهذا الاستدلال لمذهب من قال إنه يجوز للجنب العبور في المسجد وهم ابن مسعود وابن عباس والشافعي وأصحابه، واستدلوا على ذلك بقوله تعالى: * (إلا عابري سبيل) * (النساء: 43) والعبور إنما يكون في محل الصلاة وهو المسجد لا في الصلاة، وتقييد جواز ذلك بالسفر لا دليل عليه، بل الظاهر أن المراد مطلق المار لأن المسافر ذكر بعد ذلك، فيكون تكرارا يصان القرآن عن مثله، وقد أخرج ابن جرير عن يزيد بن أبي حبيب أن رجالا من الأنصار كانت أبوابهم إلى المسجد فكانت تصيبهم جنابة فلا يجدون الماء ولا طريق إليه إلا من المسجد فأنزل الله تعالى: * (ولا جنبا إلا عابري سبيل) * (النساء: 43) وهذا من الدلالة على المطلوب بمحل لا يبقى بعده ريب.
وأما ما استدل به القائلون بعدم جواز العبور وهم العترة ومالك وأبو حنيفة وأصحابه من قوله صلى الله عليه وآله وسلم: لا أحل المسجد لحائض ولا جنب وسيأتي فمع كونه فيه مقال سنبينه هو عام مخصوص بأدلة جواز العبور. وحمل الآية على من كان في المسجد وأجنب تعسف لم يدل عليه دليل.
وعن عائشة قالت: جاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ووجوه بيوت أصحابه شارعة في المسجد فقال: وجهوا هذه البيوت عن المسجد ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يصنع القوم شيئا رجاء أن ينزل فيهم رخصة، فخرج إليهم فقال: وجهوا هذه البيوت عن المسجد فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب رواه أبو داود. وعن أم سلمة قالت: دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صرحة هذا المسجد فنادى بأعلى صوته إن المسجد لا يحل لحائض ولا لجنب رواه ابن ماجة.
الحديث الأول صحيح كما سيأتي، وأخرج الثاني أيضا الطبراني، قال أبو زرعة: الصحيح