على القائل بالاستحباب لا له، لأن إنكار عمر على رأس المنبر في ذلك الجمع على مثل ذلك الصحابي الجليل وتقرير جمع الحاضرين الذين هم جمهور الصحابة لما وقع من ذلك الانكار، من أعظم الأدلة القاضية بأن الوجوب كان معلوما عند الصحابة، ولو كان الامر عندهم على عدم الوجوب لما عول ذلك الصحابي في الاعتذار على غيره، فأي تقرير من عمرو من حضر بعد هذا. ولعل النووي ومن معه ظنوا أنه لو كان الاغتسال واجبا لنزل عمر من منبره وأخذ بيد ذلك الصحابي وذهب به إلى المغتسل، أو لقال له لا تقف في هذا الجمع، أو اذهب فاغتسل فإنا سننظرك أو ما أشبه ذلك، ومثل هذا لا يجب على من رأى الاخلال بواجب من واجبات الشريعة، وغاية ما كلفنا به في الانكار على من ترك واجبا هو ما فعله عمر في هذه الواقعة، على أنه يحتمل أن يكون قد اغتسل في أول النهار كما قال الحافظ في الفتح لما ثبت في صحيح مسلم عن حمران مولى عثمان أن عثمان لم يكن يمضي عليه يوم حتى يفيض عليه الماء، وإنما لم يعتذر لعمر بذلك كما اعتذر عن التأخر لأنه لم يتصل غسله بذهابه إلى الجمعة. وقد حكى ابن المنذر عن إسحاق بن راهويه أن قصة عمر وعثمان تدل على وجوب الغسل لا على عدم وجوبه من جهة ترك عمر الخطبة واشتغاله بمعاتبة عثمان وتوبيخ مثله على رؤوس الناس، ولو كان الترك مباحا لما فعل عمر ذلك. وأما حديث أبي سعيد الآتي فقد تقرر ضعف دلالة الاقتران ولا سيما بجنب مثل أحاديث الباب.
وقد قال ابن الجوزي في الجواب على المستدلين بهذا الحديث على عدم الوجوب أنه لا يمتنع عطف ما ليس بواجب على الواجب، لا سيما ولم يقع التصريح بحكم المعطوف.
وقال ابن المنير: إن سلم أن المراد بالواجب الفرض لم ينفع دفعه بعطف ما ليس بواجب عليه، لأن القائل أن يقول خرج بدليل فبقي ما عداه على الأصل. وأما حديث أوس الثقفي فليس فيه أيضا إلا الاستدلال بالاقتران. وأما حديث عائشة فلا نسلم أنها إذا زالت العلة زال الوجوب، مسندين ذلك بوجوب السعي مع زوال العلة التي شرع لها وهي إغاظة المشركين، وكذلك وجوب الرمي مع زوال ما شرع له وهو ظهور الشيطان بذلك المكان، وكم لهذا من نظائر لو تتبعت لجاءت في رسالة مستقلة. قال في الفتح: وأجيب عن حديث عائشة بأن ليس فيه نفي الوجوب وبأنه سابق على الامر به والاعلام بوجوبه، وبهذا يتبين لك عدم انتهاض ما جاء به الجمهور من الأدلة على عدم الوجوب، وعدم إمكان الجمع بينها وبين أحاديث الوجوب، لأنه وإن أمكن بالنسبة إلى الأوامر لم يمكن بالنسبة إلى