على وجوبه بالأحاديث التي أوردها المصنف رحمه الله تعالى في هذا الباب، وفي بعضها التصريح بلفظ الوجوب، وفي بعضها الامر به، وفي بعضها أنه حق على كل مسلم، والوجوب يثبت بأقل من هذا. واحتج الآخرون لعدم الوجوب بحديث: من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت غفر له ما بين الجمعة إلى الجمعة وزيادة ثلاثة أيام أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة. قال القرطبي في تقرير الاستدلال بهذا الحديث على الاستحباب ما لفظه: ذكر الوضوء وما معه مرتبا عليه الثواب المقتضي للصحة يدل على أن الوضوء كاف. قال ابن حجر في التلخيص: إنه من أقوى ما استدل به على عدم فرضية الغسل يوم الجمعة، واحتجوا أيضا لعدم الوجوب بحديث سمرة الآتي لقوله فيه: ومن اغتسل فالغسل أفضل فدل على اشتراك الغسل والوضوء في أصل الفضل وعدم تحتم الغسل. وبحديث الرجل الذي دخل وعمر يخطب وقد ترك الغسل قال النووي: وجه الدلالة أن الرجل فعله وأقره عمر ومن حضر ذلك الجمع وهم أهل الحل والعقد، ولو كان واجبا لما تركه ولألزموه به، وبحديث أبي سعيد الآتي ووجه دلالته على ذلك ما ذكره المصنف، وبحديث أوس الثقفي وسيأتي في هذا الباب.
ووجه دلالته جعله قرينا للتبكير والمشي والدنو من الامام وليست بواجبة فيكون مثلها.
وبحديث عائشة الآتي ووجه دلالته أنهم إنما أمروا بالاغتسال لأجل تلك الروائح الكريهة فإذا زالت زال الوجوب. وأجابوا عن الأحاديث التي صرح فيها بالامر أنها محمولة على الندب والقرينة الصارفة عن الوجوب هذه الأدلة المتعاضدة، والجمع بين الأدلة ما أمكن هو الواجب وقد أمكن بهذا. وأما قوله واجب وقوله حق فالمراد متأكد في حقه، كما يقول الرجل لصاحبه: حقك واجب علي، ومواصلتك حق علي، وليس المراد الوجوب المتحتم المستلزم للعقاب، بل المراد أن ذلك متأكد حقيق بأن لا يخل به، واستضعفه ابن دقيق العيد وقال: إنما يصار إليه إذا كان المعارض راجحا في الدلالة على هذا الظاهر، وأقوى ما عارضوا به حديث: من توضأ يوم الجمعة ولا يقاوم سنده سند هذه الأحاديث انتهى. وأما حديث من توضأ فأحسن الوضوء فقال الحافظ في الفتح:
ليس فيه نفي الغسل، وقد ورد من وجه آخر في الصحيح بلفظ: من اغتسل فيحتمل أن يكون ذكر الوضوء لمن تقدم غسله على الذهاب فاحتاج إلى إعادة الوضوء انتهى.
وأما حديث الرجل الذي دخل وعمر يخطب وهو عثمان كما سيأتي فما أراه إلا حجة