واحتج من قال بالكراهة بحديث عقبة بن عامر الذي قد مر ذكره في باب وقت صلاة المغرب، وهو يدل على شرعية تعجيلها وفعلهما يؤدي إلى تأخير المغرب. والحق أن الأحاديث الواردة بشرعية الركعتين قبل المغرب مخصصة لعموم أدلة استحباب التعجيل، قال النووي: وأما قولهم يؤدي إلى تأخير المغرب فهذا خيال منابذ للسنة ولا يلتفت إليه، ومع هذا فهو زمن يسير لا تتأخر به الصلاة عن أول وقتها، وأما من زعم النسخ فهو مجازف، لأن النسخ لا يصار إليه إلا إذا عجزنا عن التأويل والجمع بين الأحاديث وعلمنا التاريخ، وليس هنا شئ من ذلك انتهى. وهذا الاستحباب ما لم تقم الصلاة كسائر النوافل لحديث: إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة واعلم أن التعليل للكراهة بتأدية الركعتين إلى تأخير المغرب مشعر بأنه لا خلاف في أنه يستحب لمن كان في المسجد في ذلك الوقت منتظرا لقيام الجماعة، وكان فعله للركعتين لا يؤثر في التأخير، كما يقع من الانتظار بعد الاذان للمؤذن حتى ينزل من المنارة، ولا ريب أن ترك هذه السنة في ذلك الوقت الذي لا اشتغال فيه بصلاة المغرب ولا بشئ من شروطها مع عدم تأثير فعلها للتأخير من الاستحواذات الشيطانية التي لم ينج منها إلا القليل. قوله: شئ التنوين فيه للتعظيم أي لم يكن بينهما شئ كثير، ونفي الكثير يقتضي إثبات القليل، وبهذا يجمع بين هذه الرواية ورواية قليل. وقال ابن المنير يجمع بين الروايتين بحمل النفي المطلق على المبالغة مجازا، والاثبات للقليل على الحقيقة، وقد طول الكلام في ذلك الحافظ في الفتح فليرجع إليه.
وعن عبد الله بن مغفل: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: صلوا قبل المغرب ركعتين، ثم قال: صلوا قبل المغرب ركعتين، ثم قال عند الثالثة: لمن شاء، كراهية أن يتخذها الناس سنة رواه أحمد والبخاري وأبو داود. وفي رواية: بين كل أذانين صلاة بين كل أذانين صلاة، ثم قال في الثالثة: لمن شاء رواه الجماعة.
زاد الإسماعيلي في روايته عن القواريري عن عبد الوارث في الرواية الأولى ثلاث مرات، وهو موافق لما في رواية البخاري لأنها بلفظ قال في الثالثة، وفي رواية لأبي نعيم في المستخرج قالها ثلاثا ثم قال لمن شاء. قوله: كراهية أن يتخذها الناس سنة قال المحب الطبري: لم يرد نفي استحبابها لأنه لا يمكن أن يأمر بما لا يستحب، بل هذا الحديث من أدل الأدلة على استحبابها. ومعنى قوله سنة أي شريعة وطريقة لازمة، وكأن المراد انحطاط مرتبتها عن رواتب الفرائض، ولهذا لم يعدها أكثر الشافعية في الرواتب،