والموقوف أن كلا عنده، ثم لو تساوى رافعوه مع واقفيه لم يكن في ذلك ما يقدح فيه.
قال أبو بكر الخطيب: اختلاف الروايتين في الرفع والوقف لا يؤثر في الحديث ضعفا وهو مذهب أهل الأصول، لأن إحدى الروايتين ليست مكذبة للأخرى، والاخذ بالمرفوع أخذ بالزيادة وهي واجبة القبول. قال الحافظ: وقد أمعن ابن القطان القول في تصحيح هذا الحديث، والجواب عن طرق الطعن فيه بما يراجع منه. وأقر ابن دقيق العيد تصحيح ابن القطان وقواه في الامام وهو الصواب، فكم من حديث قد احتجوا به فيه من الاختلاف أكثر مما في هذا، كحديث بئر بضاعة وحديث القلتين ونحوهما.
وفي ذلك ما يرد على النووي في دعواه في شرح المهذب والتنقيح، والخلاصة أن الأئمة كلهم خالفوا الحاكم في تصحيحه، وأن الحق أنه ضعيف باتفاقهم، وتبع النووي في بعض ذلك ابن الصلاح. وأما الرواية الثانية من حديث الباب فأخرجها مع الترمذي البيهقي والطبراني والدارقطني وأبو يعلى والدارمي، بعضهم من طريق سفيان عن خصيف وعلي بن بذيمة وعبد الكريم ثلاثتهم عن مقسم وبعضهم من طريق أبي جعفر الرازي عن عبد الكريم عن مقسم، وخصيف فيه مقال، وعبد الكريم مختلف فيه، وقيل مجمع على تركه، وعلي بن بذيمة فيه أيضا مقال. وأما الرواية الثالثة من حديث الباب فقد أخرج نحوها البيهقي من حديث ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس. والحديث يدل على وجوب الكفارة على من وطئ امرأته وهي حائض، وإلى ذلك ذهب ابن عباس والحسن البصري وسعيد بن جبير وقتادة والأوزاعي وإسحاق وأحمد في الرواية الثانية عنه، والشافعي في قوله القديم واختلف هؤلاء في الكفارة فقال الحسن وسعيد: عتق رقبة، وقال الباقون:
دينار أو نصف دينار على اختلاف منهم في الحال الذي يجب فيه الدينار أو نصف الدينار بحسب اختلاف الروايات. واحتجوا بحديث الباب. وقال عطاء وابن أبي مليكة والشعبي والنخعي ومكحول والزهري وأبو الزناد وربيعة وحماد بن أبي سليمان وأيوب السختياني وسفيان الثوري والليث بن سعد ومالك وأبو حنيفة وهو الأصح عن الشافعي، وأحمد في إحدى الروايتين، وجماهير من السلف أنه لا كفارة عليه بل الواجب الاستغفار والتوبة، وأجابوا عن الحديث بما سبق من المطاعن. قالوا: والأصل البراءة فلا ينتقل عنها إلا بحجة، وقد عرفت انتهاض الرواية الأولى من حديث الباب فالمصير إليها متحتم، وعرفت بما أسلفناه صلاحيتها للحجية وسقوط الاعتلالات الواردة عليها. قال المصنف