الطاهر واحتج الأولون بأن هذه اللفظة جاءت في لسان الشرع للمطهر كقوله تعالى: * (ماء طهورا) * (الفرقان: 48) وأيضا السائل إنما سأل النبي (ص) عن التطهر بماء البحر لا عن طهارته، ويدل على ذلك أيضا قوله (ص) في بئر بضاعة: إن الماء طهور لأنهم إنما سألوه عن الوضوء به. قال في الامام شرح الالمام فإن قيل: لم لم يجبهم بنعم حين قالوا:
أفنتوضأ به؟ قلنا: لأنه يصير مقيدا بحال الضرورة وليس كذلك. وأيضا فإنه يفهم من الاقتصار على الجواب بنعم أنه إنما يتوضأ به فقط ولا يتطهر به لبقية الاحداث والأنجاس (فإن قيل): كيف شكوا في جواز الوضوء بماء البحر؟ قلنا: يحتمل أنهم لما سمعوا قوله (ص): لا تركب البحر إلا حاجا أو معتمرا أو غازيا في سبيل الله فإن تحت البحر نارا أو تحت النار بحرا أخرجه أبو داود وسعيد بن منصور في سننه عن ابن عمر مرفوعا ظنوا أنه لا يجزئ التطهر به. وقد روي موقوفا على ابن عمر بلفظ: ماء البحر لا يجزئ من وضوء ولا جنابة إن تحت البحر نارا ثم ماء ثم نارا حتى عد سبعة أبحر وسبع أنيار. وروي أيضا عن ابن عمرو بن العاص أنه لا يجزئ التطهر به، ولا حجة في أقوال الصحابة لا سيما إذا عارضت المرفوع والاجماع. وحديث ابن عمر المرفوع قال أبو داود: رواته مجهولون. وقال الخطابي: ضعفوا إسناده. وقال البخاري: ليس هذا الحديث بصحيح. وله طريق أخرى عند البزار وفيها ليث بن أبي سليم وهو ضعيف.
قال في البدر المنير: في الحديث جواز الطهارة بماء البحر، وبه قال جميع العلماء إلا ابن عبد البر وابن عمر وسعيد بن المسيب. وروي مثل ذلك عن أبي هريرة وروايته ترده، وكذا رواية عبد الله بن عمر. وتعريف الطهور باللام الجنسية المفيدة للحصر لا ينفي طهورية غيره من المياه لوقوع ذلك جوابا لسؤال من شك في طهورية ماء البحر من غير قصد للحصر، وعلى تسليم أنه لا تخصيص بالسبب ولا يقصر الخطاب العام عليه، فمفهوم الحصر المفيد لنفي الطهورية عن غير مائه عموم مخصص بالمنطوقات الصحيحة الصريحة القاضية باتصاف غيره بها. قوله: الحل ميتته فيه دليل على حل جميع حيوانات البحر حتى كلبه وخنزيره، وثعبانه وهو المصحح عند الشافعية، وفيه خلاف سيأتي في