واما الجواب بأنكم وان أنكرتم ادراك النفس للجزئيات فلا تنكرون ادراكها للكليات فإذا أدركت الكره الكلية فلا بد ان يرتسم فيها صوره الكره فيعود الاشكال الذي ذكرتم بان ما لا وضع له كيف ينطبع فيه ذو وضع.
فباطل لأنك قد علمت في (1) مباحث الوجود الذهني ان المعقول من الكره يحمل عليه الكره بالحمل الأولى لا بالحمل المتعارف وان مثل هذه الأشياء إذا حصلت صورها عند العقل يصدق عليها نقائضها فالكرة العقلية الكلية ليس كره ولا ذات مقدار بخلاف صوره جزئيه خيالية منها فإنها كره ذات مقدار شخصي لكن ليس لها وضع في جهات هذا العالم.
وقد مر هذا في مباحث مقولة الوضع.
واما الوجوه الخاصة فقد احتجوا على أن الادراكات الظاهرة جسمانية بان قالوا لو كان المدرك للمحسوسات هو النفس وجب ان لا يتوقف احساسنا على حضورها وكان يجب ان يكون ادراكها للقريب والبعيد والحاضر والغائب واحدا لان النفس جوهر غير جسماني فيمتنع ان يكون لها قرب وبعد من الأجسام.
لا يقال انما تدرك هذه المحسوسات بمعاونة هذه الآلات التي يصح عليها القرب والبعد.
لأنا نقول العين إذا لم يكن فيها قوه باصرة لم يكن القرب والبعد بالنسبة إلى الرائي بل بالنسبة إلى غيره فيكون ذلك مثل حضور المرئي عند زيد، فإنه لا يكفي ذلك في حصول الابصار لعمرو.
والجواب ان النفس وان كانت هي المدركة للمحسوسات لكن ادراكها لها موقوف على شرائط:
منها كون الاله سليمه والمحسوس حاضرا عند الاله على نسبه مخصوصة وإذا كان ادراكها للمبصرات موقوفا على حضورها عند هذه الآلات لا جرم اختلف الحال بالغيبة والحضور والبعد والقرب.