لتجويف الصماخ ولذلك يصل من الأبعد في زمان أطول ولكن بمجرد ادراك الصوت القائم بالهواء القارع للصماخ لا يحصل الشعور بالجهة والقرب والبعد بل انما يحصل ذلك بتتبع الأثر الوارد من حيث ورد وما بقي منه في الهواء الذي هو في المسافة التي فيها ورد والحاصل انا بعد ادراكنا الصوت عند الصماخ نتبعه بتأملنا فيتأدى ادراكنا من الذي وصل إلينا إلى ما قبله ومنه إلى ما قبل ما قبله من جهته ومبدء وروده فان بقي منه شئ وأدركناه إلى حيث ينقطع ويفنى وحينئذ ندرك الوارد ومورده وما بقي منه موجودا وجهته وبعد مورده وقربه وما بقي من قوه أمواجها وضعفها فلذلك ندرك البعيد ضعيفا لأنه يضعف تمويجه حتى أن لم يبق في المسافة امر ينتهى بنا إلى البعيد المبدء لم نعلم من قدر البعد الا بقدر ما بقي فلا نفرق بين الرعد الواصل إلينا من أعالي الجو وبين دوي الرحى الذي هو أقرب منه إلينا هذا منتهى ما حصلوه في هذا الباب.
وفيه ما لا يخفى من الاشكال وهو ان السمع ليس بادراك بعد ادراك واستعلام بعد استعلام ينتقل النفس من واحد إلى آخر ومنه إلى آخر وهكذا بل هاهنا ادراك شئ واحد مع جهته وقربه وبعده ثم إنه بعد أن سلمنا انه يتتبع الهواء الذي وصل إلى الصماخ منه إلى ما قبله فما قبله ولكن إذا كان ادراك الصوت منفكا عن ادراك الجهة وغيرها كما قرروه من أن الصوت يدرك أولا ثم بعد التتبع تدرك الجهة والقرب والبعد والقوة والضعف، حتى يكون هاهنا ادراكات متعددة سابقه ولاحقه فنقول مدرك السمع حينئذ ليس الا ذلك الصوت فاما الجهة فهي غير مدركه للسمع أصلا وإذا لم تكن الجهة مدركه للسمع لم يكن الصوت الحاصل في الجهة مدركا له فبقي ان يكون مدرك السمع صوتا لو كان حصوله في جهة أخرى ايه جهة كانت لكان هو ذلك الصوت بعينه وهو محال، لان الصوت (1) الجزئي لا بد ان يكون متخصصا بوضع وجهه ولا يمكن ان يكون