مشيختها ولما التاثت أمورهم وتلاشت أحوالهم خرج محمد بن أحمد بن علي مبتغيا للرزق والمعاش وطوحت به الطوائح إلى بلد القل وكان منتخلا للطلب والكتابة فاستعمل شاهدا بمرسى القل أيام رياسة الحاجب ابن أبي عمرو وكانت له صحبة مع حسن بن محمد السبتي المنتحل بنسب الشرف وكانا رفيقين في مطارح اغترابهما فسعى له في مرافقة الشهرة فأسعفا واتصلا بابن أبى عمرو فحمد مذاهبهما ولما نزع الشريف عبد الوهاب زعيم تدلس إلى طاعة الموحدين أيام التياث أبى حمو بخروج محمد بن يوسف عليه واعتلال الدولة ودخل في أمر ابن أبي عمرو وجملته فبعث محمد بن أبي عمرو هذا وصاحبه إلى تدلس واستعمل حسن الشريف في القضاء ومحمد بن أبي عمرو في شهادة الديوان فلما برئت الدولة من مرضها واستفحل أمر أبى حمو وتغلب على تدلس وصار رئيس الفتيا من الامام لاقتضاء طاعتها وانفاذ أهلها على السلطان في الوفد واستقر بتلمسان يومئذ واستعملا في خطة القضاء متعاقبين أيام بنى عبد الواد وأيام السلطان أبى الحسن وتعصب على ابن أبي عمرو أيام قضائه جماعة من مشيخة البلد وسعوا به إلى السلطان أبى الحسن وتظلموا فأشكاهم على علم ببراءته واختصه بتأديب ولده فارس هذا وتعليمه فأفرغ وسعه في ذلك وربى ولده محمدا هذا الحاجب مع السلطان أبى عنان توأما وخليلا وألقى عليه محبته حتى إذا خلص له الملك رفع رتبة محمد بن أبي عمرو هذا ورقاه من منزلة إلى أخرى حتى إذا أربى به على سائر المراتب وجعل إليه العلامة والقيادة والحجابة والسفارة وديوان الجند والحساب والقهرمة سائر ألقاب دولته وخصوصيات داره فانصرفت إليه الوجوه ووقفت ببابه الاشراف من الأعياص والقبائل والشرفاء والعلماء وسرب إليه العمال أموال الجباية تزلفا وطال أمره واستيلاؤه على السلطان ونفس عليه رجال الدولة ووزراؤها ما آتاه الله من الحظ حتى إذا خلالهم وجه السلطان منه عند نهوضه إلى بجاية حامت أغراض السعاية على مكانه فقرطس وألقى السلطان أذنه إلى استماعها فلما رجع من بجاية وكانت له الدولة على السلطان وجد عليه في قبول؟؟ ولقيه مغاضبا فتنكر له السلطان ثم تجنى بطلب الغيبة عن الدولة يحتسب من الاعراض عنه ورجع إلى الرغبة في الإقالة فلم يسعف وعقد له على حرب قسنطينة وحكمه في المال والجيش وارتحل في شعبان من سنة أربع وخمسين واحتل ببجاية آخرها ونصب الموحدين تاشفين ابن السلطان أبى الحسن المعتقل عندهم من لدن عهد المولى الفضل واعتقاله إياه فنصبوه للامر لتفريق كلمة بنى مرين وجمعوا له الآلة والفساطيط وقام بأمره ميمون بن علي لمنافسته مع أخيه يعقوب وتسمع بخبره يعقوب
(٢٩٢)