لغزو إشبيلية والاثخان في نواحيها فعبى كتائبه ونهض لوجهه وبث الغارات بين يديه فأثخنوا وسبوا وقتلوا واقتحموا الحصون واكتسحوا الأموال وعاج على الشرق والغابة من بسيط إشبيلية فنسف قراها واقتحم من حصونها وقفل إلى معسكره أمير المسلمين فعقد له غداة وصوله وأمده بعسكر آخر وأغزاه قرمونة والوادي الكبير فأغار على قرمونة وطمعت حاميتها في المدافعة فبرزوا له وصدقهم القتال فانكشفوا حتى أحجزوهم في البلد ثم أحاطوا ببرج كان قريبا من البلد فقاتلوه ساعة من نهار واقتحموه عنوة ولم يزل يتقرى المنازل والعمران حتى وقف بساحة إشبيلية فأغار واقتحم برجا كان هنالك الينا على المسلمين وأضرمه نارا وامتلأت أيدي عساكره وقفل إلى معسكر أمير المسلمين ولثلاث عشرة من ربيع الثاني عقد للأمير أبى يعقوب لمنازلة جزيرة كيوثر فصمد إليها وقاتلها واقتحمها عنوة وفى ثاني جمادى عقد لطلحة بن يحيى بن محلى وكان بعد مداخلته أخاه عمر في شأن مالقة سنة خمس وسبعين خرج إلى الحج فقضى فرضه ورجع ومر في طريقه بتونس واتهمه الدعي بن أبي عمارة كان بها يومئذ فاعتقله سنة ثنتين وثمانين ثم سرحه ولحق بقومه بالمغرب ثم أجاز الأندلس غازيا في ركاب السلطان فعقد له في هذه الغزاة على مائتين من الفرسان وسرحه إلى إشبيلية ليكون رتبة للمعسكر وبعث معه لذلك عيونا من اليهود والمعاهدين من النصارى يتعرفون له أخبار الطاغية شانجة وأمير المسلمين أثناء ذلك يغادى شريش ويراوحها بالقتال والتخريب ونسف الآثار وبث السرايا كل يوم وليلة في بلاد العدو فلا يخلو يوما عن تجهيز عسكر أو اغزاء جيش أو عقد راية أو بعث سرية حتى انتسف العمران في جميع بلاد النصرانية وخرب بسائط إشبيلية وليلة وقرمونة واستجة وجبال الشرق وجميع بسائط الفرنتيرة وأبلى في هذه الغزوات عباد العاصمي من شيوخ جشم وخضر الغزي أمير الأكراد بلاء عظيما وكان لهم فيها ذكر وكذلك غزاة سبتة وسائر المجاهدين والعرب من جشم وغيرهم فلما دمرها تدميرا ونسفها تخريبا واكتسحها غارة ونهبا وزحم فصل الشتاء وانقطعت الميرة عن العسكر اعتزم على القفول وأفرج عن شريش لآخر رجب ووافه مدد غرناطة من عساكر الغزاة وقائدهم يعلى بن أبي عياد بن عبد الحق بوادي بردة فلقاهم مبرة وتكريما وانقلبوا إلى أهلهم واتصل به أن العدو أوعز إلى أساطيله باحتيال الزقاق والاعتراض دون الفراض فأوعز أمير المسلمين إلى جميع سواحله من سبتة وطنجة والمنكب وجزيرة وطيف وبلاد الريف ورباط الفتح واستدعى أساطيله فتوافت منها ستة وثلاثون أسطولا متكاملة في عدتها فأحجمت أساطيل العدو عنها وارتدت على أعقابها واحتل بالجزيرة غرة رمضان واستيقن الطاغية شانجة وأهل ملته أن بلادهم
(٢٠٨)