ثم إن كيفية امتثال تكاليف المولى إما بتحصيل العلم بها كي يتمكن من الامتثال العلمي بالسماع من المعصوم ونحوه، وأما باتيان جميع المحتملات الموجب للقطع بامتثالها.
ومع التنزل لعدم التمكن من تحصيل العلم بها أو بامتثالها لمكان العسر والحرج، أو عدم معرفة طريق الاحتياط يذعن، العقل بنصب طريق آخر في فهم التكاليف، وكيفية امتثالها لئلا يلزم اللغوية ونقض الغرض - من بقاء التكاليف وعدم نصب الطريق إليها - وهو منحصر في أمرين: أما الاجتهاد وهو تحصيل الحجة على الحكم لمن يتمكن منه، أو التقليد وهو الاستناد إلى من له الحجة على الحكم.
بل لو احتمل حينئذ العلم بظنه لكان المتعين عليه عقلا هو التقليد، لاحتمال تعينه، حتى قيل بأنه من ضروريات الدين أو المذهب، دون تعين الظن، فلا يقين ببراءة الذمة إلا بالتقليد، فتدبر جيدا.
وليعلم أن الغرض من البيان المزبور استكشاف نصب الطريق شرعا، والا فكما لا فرق في نظر العقل في مقام الامتثال بين الامتثال التفصيلي والاجمالي - بملاك حصول القطع ببراءة الذمة - كذلك لا فرق في نظره بين تحصيل العلم بالأحكام وتحصيل الحجة عليها - بملاك الاشتراك في القاطعية للعذر.
نعم الاكتفاء بالتقليد مع ملكة الاجتهاد والتمكن من استنباط الحكم من مدركه محل الكلام، فعن المشهور انه غير جائز، والمنسوب إلى السيد المجاهد قدس سره في المناهل الجواز (1).
والأقوى هو الأول، لان مقتضى الفطرة تحصيل العلم، لأنه كمال للعاقلة، كما أن الجبلة والطبع تبعث إلى رفع الجهل، لا الانقياد للعالم، وعلى فرضه فمقتضاها الانقياد للعالم لو لم يتمكن بنفسه من تحصيل الحجة والعلم - بمعنى القاطع