من لم يحصل الحكم على مدركه ليس مقلدا مع عدم العمل أو عدم الاخذ للعمل، فلا تقابل بينهما بتقابل العدم والملكة أو السلب والايجاب.
وأما التقابل بينهما بتقابل التضاد نظرا إلى أن الاجتهاد هو اخذ الحكم عن مدركه، والتقليد أخذ الحكم عن الغير، لا عن مدركه.
ففيه أن الاخذ بمعنى الالتزام والعمل أجنبي عن حقيقة الاجتهاد إذ ليس معنى الاجتهاد التزام المجتهد بالحكم، ولا عمله به.
والأخذ بمعنى التعلم الراجع إلى تحصيل العلم بالحكم وإن كان مشتركا بين المجتهد والمقلد والاخذ عن مدرك وعن الغير متقابلان، إلا أنه لا دليل على أن الاجتهاد والتقليد متقابلان، حتى يتعين كون التقليد بمعنى التعلم - تحقيقا للتقابل - بل التقليد في قبال الاجتهاد بمعنى يقابل الاحتياط لهما، مع أن الاحتياط ليس الا عنوانا للعمل، فالتقابل حقيقة بين العمل استنادا إلى المدرك أو إلى رأي الغير أو بنحو يوافق الواقع، هذا كله فيما يقتضيه مفهوم التقليد.
واما الثاني وهو ما يقتضيه الأدلة العقلية والنقلية.
فنقول: من الأولى: قضية الفطرة، وسيجئ (1) إن شاء الله تعالى أن مقتضاها - لو تمت - رفع الجهل بعلم العالم حقيقة، حيث أنه كمال القوة العاقلة، لا الالتزام بقول الغير تعبدا، أو العمل به كذلك، أو التعلم منه الذي هو أخص من رفع الجهل بعلم العالم، فان التعلم الذي هو مقدمة للعمل لا يدور مدار حصول العلم بالحكم، بل إحراز الفتوى ورأي الغير فقط.
فالتقليد بالوجه الذي يقتضيه الفطرة ليس بأحد المعاني المبحوث عنها هنا.
مع ما سيأتي إن شاء الله تعالى في اقتضاء الفطرة.
ومنها: قضية السيرة، ومن البين أن ما جرت عليه سيرة العقلاء في مقاصدهم حفظا لنظام أمورهم هو العمل بقول العارف بشئ، لا عقد القلب عليه، ولا اخذه بوجود الكتبي أو بوجوده العلمي، وإن كانا من المقدمات أحيانا، فان كل ذلك