حالة الاختيار، وأما في الضرورة فلا يكون حراما كالميتة للمضطر، فالنهي عن التداوي بالحرام باعتبار الحالة التي لا ضرورة فيها، والاذن بالتداوي بأبوال الإبل باعتبار حالة الضرورة وإن كان خبيثا حراما ولو سلم، فالتداوي إنما وقع بأبوال الإبل فيكون خاصا بها، ولا يجوز إلحاق غيره به، لما ثبت من حديث ابن عباس مرفوعا: إن في أبوال الإبل شفاء للذربة بطونهم ذكره في الفتح، والذرب فساد المعدة فلا يقاس ما ثبت أن فيه دواء على ما ثبت نفي الدواء عنه، على أن حديث تحريم التداوي بالحرام وقع جواب من سأل عن التداوي بالخمر كما في صحيح مسلم وغيره، ولا يجوز إلحاق غير المسكر به من سائر النجاسات، لان شرب المسكر يجر إلى مفاسد كثيرة، ولأنهم كانوا في الجاهلية يعتقدون أن في الخمر شفاء فجاء الشرع بخلاف ذلك، ويجاب بأنه قصر للعام على السبب بدون موجب، والمعتبر عموم اللفظ لا خصوص السبب. واحتج القائلون بنجاسة جميع الأبوال والأزبال وهم الشافعية والحنفية ونسبه في الفتح إلى الجمهور. ورواه ابن حزم في المحلى عن جماعة من السلف بالحديث المتفق عليه أنه (ص) مر بقبرين فقال: إنهما ليعذبان وما يعذب ان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستتر عن البول الحديث، قالوا: فعم جنس البول ولم يخصه ببول الانسان ولا أخرج عنه بول المأكول، وهذا الحديث غاية ما تمسكوا به.
وأجيب عنه بأن المراد بول الانسان لما في صحيح البخاري بلفظ: كان لا يستتر من بوله قال البخاري: ولم يذكر سوى بول الناس فالتعريف في البول للعهد، قال ابن بطال: أراد البخاري أن المراد بقوله: كان لا يستتر من البول بول الانسان لا بول سائر الحيوان، فلا يكون فيه حجة لمن حمله على العموم في بول جميع الحيوان، وكأنه أراد الرد على الخطابي حيث قال فيه دليل على نجاسة الأبوال كلها، قال في الفتح: ومحصل الرد أن العموم في رواية من البول أريد به الخصوص لقوله: من بوله أو الألف واللام بدل من الضمير انتهى.
والظاهر طهارة الأبوال والأزبال من كل حيوان يؤكل لحمه تمسكا بالأصل واستصحابا للبراءة الأصلية، والنجاسة حكم شرعي ناقل عن الحكم الذي يقتضيه الأصل والبراءة، فلا يقبل قول مدعيها إلا بدليل يصلح للنقل عنهما، ولم تجد للقائلين بالنجاسة دليلا كذلك، وغاية ما جاؤوا به حديث صاحب القبر وهو مع كونه مرادا به الخصوص كما سلف عموم ظني الدلالة لا ينتهض على معارضة تلك الأدلة المعتضدة بما سلف. وقد طول ابن حزم الظاهري في المحلى الكلام على هذه المسألة بما لم نجده لغيره، لكنه لم يدل بحثه على غير حديث صاحب القبر (فإن قلت): إذا كان الحكم بطهارة بول ما يؤكل لحمه وزبله لما تقدم حتى يرد