المذكورة في هذا الباب وغيرها، ولتصريح أبي مسعود في الحديث الآتي بأنها كانت صلاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم التغليس حتى مات ولم يعد إلى الاسفار. وذهب الكوفيون وأبو حنيفة وأصحابه والثوري والحسن بن حي وأكثر العراقيين وهو مروي عن علي عليه السلام وابن مسعود إلى أن الاسفار أفضل. واحتجوا بحديث: أسفروا بالفجر وسيأتي ونحوه. وقد أجاب القائلون بالتغليس عن أحاديث الاسفار بأجوبة: منها أن الاسفار التبين والتحقق، فليس المراد إلا تبين الفجر وتحقق طلوعه، ورد بما أخرجه ابن أبي شيبة وإسحاق وغيرهما بلفظ: ثوب بصلاة الصبح يا بلال حين يبصر القوم مواقع نبلهم من الاسفار ومنها أن الامر بالاسفار في الليالي المقمرة فإنه لا يتحقق فيها الفجر إلا بالاستظهار في الاسفار. وذكر الخطابي أنه يحتمل أنهم لما أمروا بالتعجيل صلوا بين الفجر الأول والثاني طلبا للثواب، فقيل لهم: صلوا بعد الفجر الثاني وأصبحوا بها فإنه أعظم لأجركم. فإن قيل: لو صلوا قبل الفجر لم يكن فيها أجر، فالجواب أنهم يؤجرون على نيتهم وإن لم تصح صلاتهم لقوله: إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر. وقال أبو جعفر الطحاوي: إنما يتفق معاني آثار هذا الباب بأن يكون دخوله صلى الله عليه وآله وسلم في صلاة الصبح مغلسا ثم يطيل القراءة حتى ينصرف عنها مسفرا، وهذا خلاف قول عائشة لأنها حكت أن انصراف النساء كان وهن لا يعرفن من الغلس، ولو قرأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالسور الطوال ما انصرف إلا وهم قد أسفروا ودخلوا في الاسفار جدا، ألا ترى إلى أبي بكر رضي الله عنه حين قرأ البقرة في ركعتي الصبح قيل له: كادت الشمس تطلع، فقال: لو طلعت لم تجدنا غافلين.
وعن أبي مسعود الأنصاري: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلى صلاة الصبح مرة بغلس، ثم صلى مرة أخرى فأسفر بها، ثم كانت صلاته بعد ذلك التغليس حتى مات لم يعد إلى أن يسفر رواه أبو داود. الحديث رجاله في سنن أبي داود رجال الصحيح، وأصله في الصحيحين والنسائي وابن ماجة ولفظه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: نزل جبريل فأخبرني بوقت الصلاة فصليت معه، ثم صليت معه، ثم صليت معه، ثم صليت معه، ثم صليت معه، يحسب بأصابعه خمس صلوات، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلى الظهر حين تزول الشمس وربما أخرها حين اشتد الحر ورأيته يصلي العصر والشمس مرتفعة