لا ينجسه شئ فما بلغ مقدار القلتين فصاعدا فلا يحمل الخبث ولا ينجس بملاقاة النجاسة إلا أن يتغير أوصافه فنجس بالاجماع، فيخص به حديث القلتين وحديث لا ينجسه شئ. وأما ما دون القلتين فإن تغير خرج عن الطهارة بالاجماع، وبمفهوم حديث القلتين فيخص بذلك عموم حديث لا ينجسه شئ وإن لم يتغير بأن وقعت فيه نجاسة لم تغيره، فحديث لا ينجسه شئ يدل بعمومه على عدم خروجه عن الطهارة لمجرد ملاقاة النجاسة، وحديث القلتين يدل بمفهومه على خروجه عن الطهورية بملاقاتها، فمن أجاز التخصيص بمثل هذا المفهوم قال به في هذا المقام، ومن منع منه منعه فيه. ويؤيد جواز التخصيص بهذا المفهوم لذلك العموم بقية الأدلة التي استدل بها القائلون بأن الماء القليل ينجس بوقوع النجاسة فيه، وإن لم تغيره كما تقدم، وهذا المقام من المضايق التي لا يهتدي إلى ما هو الصواب فيها إلا الافراد. وقد حققت المقام بما هو أطول من هذا وأوضح في طيب النشر على المسائل العشر. وللناس في تقدير القليل والكثير أقوال ليس عليها أثاره من علم فلا تشتغل بذكرها.
وعن عبد الله بن عمر بن الخطاب قال: سمعت رسول الله (ص) وهو يسأل عن الماء يكون بالفلاة من الأرض وما ينوبه من السباع والدواب فقال:
إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث رواه الخمسة. وفي لفظ ابن ماجة ورواية لأحمد لم ينجسه شئ.
الحديث أخرجه أيضا الشافعي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والدار قطني والبيهقي، وقال الحاكم صحيح على شرطهما. وقد احتجا بجميع رواته واللفظ الآخر من حديث الباب أخرجه أيضا الحاكم. وأخرجه أبو داود بلفظ: لا ينجس وكذا أخرجه ابن حبان. وقال ابن منده: إسناد حديث القلتين على شرط مسلم انتهى. ومداره على الوليد بن كثير فقيل عنه عن محمد بن جعفر بن الزبير، وقيل عنه عن محمد بن عباد بن جعفر، وقيل عنه عن عبيد الله بن عمر. وقيل عنه عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر. وهذا اضطراب في الاسناد وقد روي أيضا بلفظ: إذا كان الماء قدر قلتين أو ثلاث لم ينجس كما في رواية لأحمد والدارقطني. وبلفظ: إذا بلغ الماء قلة فإنه لا يحمل الخبث كما في رواية للدارقطني وابن عدي والعقيلي. وبلفظ: أربعين قلة عند الدارقطني وهذا اضطراب في المتن، وقد أجيب عن دعوى الاضطراب في الاسناد بأنه على تقدير أن يكون محفوظا من جميع تلك الطرق لا يعد اضطرابا لأنه انتقال من ثقة إلى ثقة. قال الحافظ: وعند