أحمد وأبي داود من حديث طلحة بن مصرف ورد بأن الفعل بمجرده لا يدل على الوجوب، وفي حديث طلحة بن مصرف مقال سيأتي تحقيقه. قالوا: قال الله تعالى: * (وامسحوا برؤوسكم) * (المائدة: 6) والرأس حقيقة اسم لجميعه والبعض مجاز ورد بأن الباء للتبعيض. وأجيب بأنه لم يثبت كونها للتبعيض، وقد أنكره سيبويه في خمسة عشر موضعا من كتابه. ورد أيضا بأن الباء تدخل في الآلة، والمعلوم أن الآلة لا يراد استيعابها كمسحت رأسي بالمنديل، فلما دخلت الباء في الممسوح كان ذلك الحكم أعني عدم الاستيعاب في الممسوح أيضا، قاله التفتازاني. قالوا جعله جار الله مطلقا وحكم على المطلق بأنه مجمل، وبينه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالاستيعاب، وبيان المجمل الواجب واجب. ورد بأن المطلق ليس بمجمل لصدقه على الكل والبعض، فيكون الواجب مطلق المسح كلا أو بعضا وأياما كان وقع به الامتثال ولو سلم أنه مجمل لم يتعين مسح الكل لورود البيان بالبعض عند أبي داود من حديث أنس بلفظ: أنه صلى الله عليه وآله وسلم أدخل يده من تحت العمامة فمسح مقدم رأسه ولم ينقض العمامة وعند مسلم وأبي داود والترمذي من حديث المغيرة بلفظ: أنه صلى الله عليه وآله وسلم توضأ فمسح بناصيته وعلى العمامة قالوا: قال ابن القيم أنه لم يصح عنه صلى الله عليه وآله وسلم في حديث واحد أنه اقتصر على مسح بعض رأسه البتة، ولكن كان إذا مسح بناصيته أكمل على العمامة، قال: وأما حديث أنس فمقصود أنس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم ينقض عمامته حتى يستوعب مس الشعر كله، ولم ينف التكميل على العمامة وقد أثبته حديث المغيرة، فسكوت أنس عنه لا يدل على نفيه. وأيضا قال الحافظ: إن حديث أنس في إسناده نظر. وأجيب بأن النزاع في الوجوب وأحاديث التعميم وإن كانت أصح وفيها زيادة وهي مقبولة لكن أين دليل الوجوب وليس إلا مجرد أفعال؟ ورد بأنها وقعت بيانا للمجمل فأفادت الوجوب. والانصاف أن الآية ليست من قبيل المجمل، وإن زعم ذلك الزمخشري وابن الحاجب في مختصره والزركشي، والحقيقة لا تتوقف على مباشرة آلة الفعل بجميع أجزاء المفعول، كما لا تتوقف في قولك ضربت عمرا على مباشرة الضرب لجميع أجزائه، فمسح رأسه يوجد المعنى الحقيقي بوجود مجرد المسح للكل أو البعض، وليس النزاع في مسمى الرأس فيقال هو حقيقة في جميعه، بل النزاع في إيقاع المسح على الرأس، والمعنى الحقيقي للايقاع يوجد بوجود المباشرة، ولو كانت المباشرة الحقيقية لا توجد إلا بمباشرة الحال لجميع المحل لقل وجود الحقائق في
(١٩٣)