عن بعض العلماء أنه ذهب إلى التخيير بين الامرين: الاحفاء وعدمه وروى الطحاوي الاحفاء عن جماعة من الصحابة أبي سعيد وأبي أسيد ورافع بن خديج وسهل بن سعد و عبد الله بن عمر وجابر وأبي هريرة. قال ابن القيم: واحتج من لم ير إحفاء الشارب بحديث عائشة وأبي هريرة المرفوعين: عشر من الفطرة فذكر منها قص الشارب. وفي حديث أبي هريرة: أن الفطرة خمس وذكر منها قص الشارب، واحتج المحفون بأحاديث الامر بالاحفاء وهي صحيحة. وبحديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يحفي شاربه انتهى. والاحفاء ليس كما ذكره النووي من أن معناه احفوا ما طال عن الشفتين، بل الاحفاء الاستئصال كما في الصحاح والقاموس والكشاف وسائر كتب اللغة. ورواية القص لا تنافيه لأن القص قد يكون على جهة الاحفاء وقد لا يكون، ورواية الاحفاء معينة للمراد، وكذلك حديث الباب الذي فيه: من لم يأخذ من شاربه فليس منا لا يعارض رواية الاحفاء لأن فيها زيادة يتعين المصير إليها، ولو فرض التعارض من كل وجه لكانت رواية الاحفاء أرجح لأنها في الصحيحين. وروى الطحاوي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخذ من شارب المغيرة على سواكه قال: وهذا لا يكون معه إحفاء، ويجاب عنه بأنه محتمل، ودعوى أنه لا يكون معه إحفاء ممنوعة، وهو إن صح كما ذكر لا يعارض تلك الأقوال منه صلى الله عليه وآله وسلم. قوله: وأرخوا اللحى قال النووي: هو بقطع الهمزة والخاء المعجمة ومعناه اتركوا ولا تتعرضوا لها بتغيير، قال القاضي عياض: وقع في رواية الأكثرين بالخاء المعجمة، ووقع عند ابن ماهان أرجوا بالجيم قيل هو بمعنى الأول وأصله أرجئوا بالهمزة فحذفت تخفيفا ومعناه أخروها واتركوها.
قوله: وفروا اللحى هي إحدى الروايات وقد حصل من مجموع الأحاديث خمس روايات: اعفوا وأوفوا وأرخوا وأرجوا ووفروا، ومعناها كلها تركها على حالها. قال ابن السكيت وغيره: يقال في جمع اللحية لحى ولحى بكسر اللام وضمها لغتان والكسر أفصح.
قوله: خالفوا المجوس قد سبق أنه كان من عادة الفرس قص اللحية فنهى الشرع عن ذلك. قوله: فما فضل بفتح الفاء والضاد المعجمة ويجوز كسر الضاد كعلم والأشهر الفتح. وقد استدل بذلك بعض أهل العلم والروايات المرفوعة ترده، ولكنه قد أخرج الترمذي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يأخذ من لحيته من عرضها وطولها وقال غريب: قال سمعت محمد بن إسماعيل