الحكمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة - صدر الدين محمد الشيرازي - ج ٩ - الصفحة ٨٩
يعد لان يفيض (1) من القوة النفسانية ما يبقى به مقدار الشخص أو يستكمل بقدر الحاجة في كل وقت فالحركة الكمية الحاصلة للأجسام النباتية عبارة عن توارد المقادير على
(1) وهذا كما أن فساد صوره الهواء المطيف بالطاس المكبوب على الحبل يعد المادة الهوائية لان يفيض عليها الصورة المائية من المبدء الفياض فهاهنا أيضا مجاورة الأجسام الرطبة معدة لإفاضة الصورة الغذائية التي هي غذاء بالفعل على المادة البدنية على نعت الاتصال وتجدد الأمثال من عالم النفس نظير ذلك ما مر من المصنف قده ان النورية التي في البدن من اشراقات النفس ومن مراتبها وان الذي كانت النفس حافظه إياه ليس الباقي من جسد الحيوان بعد الموت بل قدر آخر ومزاج آخر والنفس ليست من الأسباب القريبة الموجبة لهذا اللون والشكل الباقيين وكذا ما مر في السفر الأول وذكر في الشواهد أيضا ان الطبيعة التي تقع بها الاعياء غير الطبيعة المسخرة للنفس المجبولة على طاعتها وهي معها تدور حيث ما دارت وكذا القوى وان كانت هذه المادة البدنية وهذه الطبيعة والقوى أيضا مأخوذة لا بشرط من مراتب النفس متصلة بها اتصالا معنويا وقد مر أعجب من ذلك وليس بعجب في الإلهيات ان الهواء الذي قام به الكلام بل اللوح بما هما محلان لصنع المتكلم ومأخوذان لا بشرط من صقعه وقيام الكلام بهما بهذا النظر قيام عنه وليسا كتابين فالحق ان النفس لما كانت هيكل التوحيد معلمه بالأسماء الحسنى جميعا متصفة بصفات الطبائع كما انها متخلقة بأخلاق الروحانيين بالقوة أو بالفعل كان فيها شئ من الطبائع والأجسام بالذات أيضا فكما ان فيها جسما وطبعا وغذاءا بالعرض وبنحو الاعداد كذلك هي فيها بالذات وبنحو الايجاد فكأنها الكوز الذي يترشح من باطنه النداوة وكيف لا وكل عال واجد لكمالات السافل بنحو أعلى مترشح نفسه وكمالاته منه بل الآثار النازلة منه في المراتب النازلة انما هي هي بلا تجاف عن المقام العالي بل بالظهور والتشأن فكما ان من النفوس ما هي مستكفية بذاتها وباطن ذاتها في العلوم والكمالات بلا اعداد سماع ورؤية كذلك البواقي في استكمالاتها بعد الاعداد فإنها بذاتها وباطن ذاتها بلا مداخله غرايب وأجنبيات من عالم المادة فكما ان أغذيتها المعنوية في مقام الحس والعقل بالصور المعلومة بالذات لا بالمعلومات بالعرض التي ليست هي منشأتها وأطوارها وظهوراتها كذلك أغذيتها الحسية في مقام الطبع والجسم وليس هذا من باب التمثيل والقياس الفقهي بل من باب الدخول تحت الكلى الواحد وانها امر واحد بالفعل كما أشار إليه قده وبالجملة ليس المراد من الغذاء في قوله الغذاء من عالم النفس الغذاء بالقوة ولو بالقوة القريبة بل الغذاء بالفعل ثم المراد من الغذاء بالفعل صورته لا مادته وانما أطلق القول لاتحاد المادة بالصورة عنده واستهلاكها لا بهامها فيها والمراد بعالم النفس جنبتها السافلة الصورية وليس هذا فيه كثير استبعاد إذ كما أن أصل صور الأعضاء من عالم النفس كما مر ان المصورة مرتبه نازلة من النفس كذلك تداركها وتلافي ما تحلل منها من عالم النفس فان النفس مظهر أسماء الله تعالى التنزيهية والتشبيهية جميعا وكما لطفت ذاته صوره نفسه فإنها جامعه لعالمي المعنى والصورة وبوجه كهواء صحو يضربه الصرد يغيم بلا ارتفاع بخار ولكن إن كان بلا تجاف عن مقامه العالي اللطيف وليعذرني إخواني في تطويل المقام فإنه مثار الشك بل من مزال الاقدام س ره.