يكون جامعا لذاته بحسب وجود واحد لجميع الكيفيات والصفات التي يقع الاحساس بها فان المبصر غير المسموع والرائحة غير الطعم فهكذا يجب ان يكون مدارك هذه الكيفيات والكمالات ومشاعرها الجزئية مختلفه وهذا بخلاف وجود الأشياء في العقل حيث يجوز ان يكون هناك شئ واحد بحسب وجود واحد عقلي شما وذوقا ورائحة وصوتا ولونا وحرارة وبرودة وغير ذلك من الصفات على وجه أعلى وأشرف كما بينه الفيلسوف العظيم في كتابه فثبت ان من الواجب ان يكون ادراك المحسوسات بما هي محسوسات لا يمكن الا بآلات مختلفه حسب اختلاف أجناسها كيلا يختلط على النفس ويتشوش ادراكاتها ولما اختلفت الآلات فلا جرم النفس إذا حاولت الابصار التفتت إلى العين فيقوى على الابصار التام وإذا حاولت السماع التفتت إلى الاذن فقويت على السماع التام وكذلك القول في سائر الأفعال بسائر القوى وإذا تكررت منها هذه الأفعال باستعانة هذه الآلات وقعت لها ملكه واقتدار على تحصيل تلك الأمور التي لم يمكن حصول حضورها الا باستعانة الآلات من غير الاستعانة بشئ منها بل تستحضرها وتتصرف فيها كما تشاء بذاتها وفي عالمها.
فعلم من هاهنا ان النفس في أول تكونها كالهيولي الأولى خاليه عن كل كمال صوري وصوره محسوسة أو متخيلة أو معقولة ثم تصير (1) بحيث تكون فعاله للصورة المجردة عن المواد جزئيه كانت أو كليه ولا محاله تلك الصور أشرف وأعلى من هذه الصور الكائنة الفاسدة فما أشد سخافة رأى من زعم أن (2) النفس بحسب جوهرها وذاتها شئ واحد