كان الطاغية شانجة بن ادفونش قد تكالب على أهل الأندلس من بعد أبيه هراندة الهالك سنة ثنتين وثمانين منذ غلب على طريف شغل السلطان يوسف بن يعقوب بعده ببني يغمراسن ثم تشاغل حفدته من بعده بأمرهم وتقاصرت مددهم وهلك شانجة سنة ثلاث وسبعين وولى ابنه هراندة ونازل الجزيرة الخضراء فرضة الجهاد لبنى مرين حولا كاملا ونازلت أساطيله جبل الفتح واشتد الحصار على المسلمين وراسل هراندة بن ادفونش صاحب برشلونة أن يشغل أهل الأندلس من ورائهم ويأخذ بحجزتهم فنازل المرية وحاصرها الحصار المشهور سنة تسع ونصب عليها الآلات وكان منها برج العود المشهور بطول الأسوار بمقدار ثلاث قامات وتحمل المسلمون على احراقه فأحرق وحفر العدو تحت الأرض مسربا مقدار ما يسير فيه عشرون راكبا وتفطن المسلمون واحتفر قبالتهم مثله إلى أن نفذ بعضهم لبعض واقتتلوا من تحت الأرض وعقد ابن الأحمر لعثمان بن أبي العلاء زعيم الأعياص على عسكر بعثه مددا لأهل المرية فلقيه جمع من النصارى كان الطاغية بعثهم لحصار مرشانه فهزمهم عثمان واستلحمهم ونزل قريبا من معسكر الطاغية خلال ذلك على جبل الفتح وأقامت عساكره على سماتة واسطبونة وزحف العباس بن رحو بن عبد الله وعثمان بن أبي العلاء في العساكر لإغاثة البلدين فأوقع عثمان بعسكر اسطبونة وقتل قائدهم الفنش بيرش في نحو ثلاثة آلاف فارس واستلحموا ثم زحف عثمان لإغاثة العباس وكان دخل عوجين فحاصرته جموع النصارى به فانفضوا الخبر زحفه وبلغ الخبر إلى الطاغية بمكانه من ظاهر الجزيرة بفتكة عثمان في قومه فسرح جموع النصرانية إليه ولقيهم عثمان فأوقع بهم وقتل زعماءهم وارتحل الطاغية يريد لقاءهم فخالف أهل البلد إلى معسكره وانتهبوا محلاته وفساطيطه وأتيحت للمسلمين عليهم الكرة وامتلأت الأيدي من غنائمهم وأسراهم ثم هلك الطاغية اثر هذه الهزائم سنة ثنتي عشرة وهو هراندة بن شانجة وولى بعده ابنه الهنشة طفلا صغيرا جعلوه لنظر عمه دون بطرة بن شانجة وزعيم النصرانية جوان فكفلاه واستقام أمرهم على ذلك وشغل السلطان أبو سعيد ملك المغرب بشأن ابنه وخروجه فاهتبل النصرانية الغرة في الأندلس وزحفوا إلى غرناطة سنة ثمان عشرة وأناخوا عليها بعسكرهم وأممهم وبعث أهل الأندلس صريخهم إلى السلطان واعتذر لهم بمكان أبى العلاء من دولتهم ومحله من رياستهم وأنه مرشح للامر في قومه بنى مرين يخشى معه تفريق الكلمة وشرط عليهم أن يدفعوه إليه برمته حتى يتم الجهاد ويعيده إليهم حوطة على المسلمين ولم يمكنهم ذلك لمكان عثمان بن أبي العلاء لصرامته وعصابته من قومه فأخفق سعيهم واستلحموا وأطالت أمم النصرانية
(٢٤٩)