فإن المدار في صحته على معرفة حكمهم بالاجتهاد الصحيح الذي هو أعم من القطع النظري والظن، واحتمال الإصابة للواقع في المقطوع بهما عند الحاكمين أو أحدهما لكل منهما متحقق للشئ في حد ذاته وإن لم يكن محتملا عند القاطع، إلا أنه هو حاكم بصحته في حق الحاكم الآخر ومن ترافع إليه من حيث ظهور دليل حجية اجتهاده في ذلك، فلو نقضه حينئذ لكان ناقضا لحكمه نفسه الذي استفاده من دليل صحة الاجتهاد، فلا يبعد القول بعدم جواز النقض أيضا بالقطع النظري كالظني، لأنهما عند التأمل متحدان فيما قلناه، ويختص النقض به في الفرض الأول الذي مرجعه إلى عدم اجتهاد صحيح، بل له نقضه إذا كان كذلك في الظني أيضا، ضرورة ظهور دليل صحة الحكم وحرمة الرد عليه فيما إذا كان عن اجتهاد صحيح وإن ظن الحاكم الثاني خطأه أو قطع بدليل قطعي نظري.
وقد بان لك من جميع ما ذكرنا أن الحكم ينقض ولو بالظن إذا تراضى الخصمان على تجديد الدعوى وقبول الحكم الحاكم الثاني، وينقض إذا خالف دليلا علميا لا مجال للاجتهاد فيه أو دليلا اجتهاديا لا مجال للاجتهاد بخلافه إلا غفلة ونحوها، ولا ينقض في غير ذلك، لأن الحكم بالاجتهاد الصحيح حكمهم، فالراد عليه راد عليهم (عليهم السلام) والراد عليهم على حد الشرك بالله تعالى من غير فرق بين اقتضائه نقض فتوى وعدمه للاطلاق. ومن هنا جاز نقض الفتوى بالحكم دون العكس.
والمراد بنقضها إبطال حكم الكلي في خصوص الجزئي الذي كان مورد الحكم بالنسبة إلى كل أحد، من غير فرق بين الحاكم ومقلدته وبين غيرهم من الحكام المخالفين له ومقلدتهم ويبطل حكم الاجتهاد والتقليد في خصوص ذلك الجزئي.
كما أنه لا فرق في ذلك بين العقود والايقاعات والحل والحرمة