ومن ذلك كله بان لك الحال في الصور الأربعة: وهي نقض الفتوى بالفتوى وبالحكم ونقض الحكم بالفتوى وبالحكم.
ولكن بقي الكلام في الفرق بينهما، والظاهر أن المراد بالأولى الاخبار عن الله تعالى بحكم شرعي متعلق بكلي، كالقول بنجاسة ملاقي البول أو الخمر، وأما قول هذا القدح نجس لذلك فهو ليس فتوى في الحقيقة وإن كان ربما يتوسع باطلاقها عليه، وأما الحكم فهو إنشاء إنفاذ من الحاكم لا منه تعالى لحكم شرعي أو وضعي أو موضوعهما في شئ مخصوص.
ولكن هل يشترط فيه مقارنته لفصل خصومة كما هو المتيقن من أدلته، لا أقل من الشك، والأصل عدم ترتب الآثار على غيره، أو لا يشترط، لظهور قوله (عليه السلام) (1): (إني جعلته حاكما) في أن له الانفاذ والالزام مطلقا، ويندرج فيه قطع الخصومة التي هي مورد السؤال ومن هنا لم يكن إشكال عندهم في تعلق الحكم بالهلال والحدود التي لا مخاصمة فيها.
وعليه حينئذ فإذا أريد الالزام بشئ وإنفاذه على وجه تنقطع عنه الخصومات الآتية من حيث الاختلاف في الاجتهاد أنشأ الحاكم إنفاذ تلك الخصومة منه على وجه تكون كما لو وقع النزاع فيها، فإذا أنشأ الحكم بصحة تزويج المرتضعة معه عشر رضعات مثلا لم يكن لهما بعد ذلك الخصومة من هذه الجهة فتأمل.
ثم إن الفاضل في القواعد قال: (صورة الحكم الذي لا ينقص أن يقول الحاكم: قد حكمت بكذا أو قضيت أو نفذت الحكم بكذا أو أمضيت أو ألزمت أو ادفع إليه ماله أو اخرج من حقه أو يأمره بالبيع وغيره، ولو قال: ثبت عندي أو ثبت حقك أو أنت قد قمت بالحجة أو أن دعواك ثابتة شرعا لم يكن ذلك حكما، ويسوغ إبطاله).