بذلك كان عند الامر بقتل الكلاب، فلما نهى عن قتلها نسخ الامر بالغسل، وتعقب بأن الامر بقتلها كان في أوائل الهجرة، والامر بالغسل متأخر جدا، لأنه من رواية أبي هريرة وعبد الله بن مغفل وكان إسلامهما سنة سبع، وسياق حديث ابن مغفل الآتي ظاهر في أن الامر بالغسل كان بعد الامر بقتل الكلاب. وقد اختلف أيضا في وجوب التتريب للاناء الذي ولغ فيه الكلب، وسيأتي بيان ذلك في باب اعتبار العدد. واستدل بهذا الحديث أيضا على نجاسة الكلب لأنه إذا كان لعابه نجسا وهو عرق فمه ففمه نجس، ويستلزم نجاسة سائر بدنه، وذلك لأن لعابه جزء من فمه، وفمه أشرف ما فيه فبقية بدنه أولى، وقد ذهب إلى هذا الجمهور. وقال عكرمة ومالك في رواية عنه أنه طاهر. ودليلهم قول الله تعالى: * (فكلوا مما أمسكن عليكم) * (المائدة: 4) ولا يخلو الصيد من التلوث بريق الكلاب ولم نؤمر بالغسل، وأجيب عن ذلك بأن إباحة الاكل مما أمسكن لا تنافي وجوب تطهير ما تنجس من الصيد، وعدم الامر للاكتفاء بما في أدلة تطهير النجس من العموم، ولو سلم فغايته الترخيص في الصيد بخصوصه. واستدلوا أيضا بما ثبت عند أبي داود من حديث ابن عمر بلفظ: كانت الكلاب تقبل وتدبر زمان رسول الله (ص) في المسجد فلم يكونوا يرشون شيئا من ذلك وهو في البخاري. وأخرجه الترمذي بزيادة وتبول، ورد بأن البول مجمع على نجاسته، فلا يصلح حديث بول الكلاب في المسجد حجة يعارض بها الاجماع. وأما مجرد الاقبال والادبار فلا يدلان على الطهارة، وأيضا يحتمل أن يكون ترك الغسل لعدم تعيين موضع النجاسة أو لطهارة الأرض بالجفاف. قال المنذري: إنها كانت تبول خارج المسجد في مواطنها ثم تقبل وتدبر في المسجد. قال الحافظ: والأقرب أن يقال إن ذلك كان في ابتداء الحال على أصل الإباحة، ثم ورد الامر بتكريم المساجد وتطهيرها وجعل الأبواب عليها. واستدلوا على الطهارة أيضا بما سيأتي من الترخيص في كلب الصيد والماشية والزرع، وأجيب بأنه لا منافاة بين الترخيص وبين الحكم بالنجاسة غاية الأمر أنه تكليف شاق وهو لا ينافي التعبد به.
باب سؤر الهرة عن كبشة بنت كعب بن مالك وكانت تحت ابن أبي قتادة: أن أبا قتادة دخل عليها فسكبت له وضوءا فجاءت هرة تشرب منه فأصغى لها الاناء حتى شربت منه، قالت كبشة: فرآني أنظر فقال أتعجبين يا ابنة أخي؟ فقلت نعم، فقال: إن رسول الله (ص)