على من زعم أن قوله: يستنجي بالماء مدرج من قول عطاء الراوي عن أنس، كما حكاه ابن التين عن أبي عبد الملك، فإن رواية خالد الحذاء السابقة تدل على أنه قول أنس. والحديث يدل على ثبوت الاستنجاء بالماء، وقد أنكره مالك وأنكر أن يكون النبي (ص) استنجى بالماء. وقد روى ابن أبي شيبة بأسانيد صحيحة عن حذيفة بن اليمان أنه سئل عن الاستنجاء بالماء فقال: إذ لا يزال في يدي نتن. وعن نافع أن ابن عمر كان لا يستنجي بالماء. وعن ابن الزبير قال ما كنا نفعله. وذكر ابن دقيق العيد أن سعيد بن المسيب سئل عن الاستنجاء بالماء فقال: إنما ذلك وضوء النساء. قال: وعن غيره من السلف ما يشعر بذلك. والسنة دلت على الاستنجاء بالماء في هذا الحديث وغيره فهي أولى بالاتباع، قال: ولعل سعيدا رحمه الله فهم من أحد غلوا في هذا الباب بحيث يمنع الاستنجاء بالأحجار، فقصد في مقابلته أن يذكر هذا اللفظ لإزالة ذلك الغلو، وبالغ بإيراده إياه على هذه الصيغة. وقد ذهب بعض من أصحاب مالك إلى أن الاستجمار بالحجارة إنما هو عند عدم الماء، وإذا ذهب إليه بعض الفقهاء فلا يبعد أن يقع لغيرهم ممن في زمان سعيد رحمه الله انتهى. وقد اختلف العلماء في الاكتفاء بالأحجار وعدم تعين الماء، فذهبت الشافعية والحنفية إلى عدم وجوب الماء وأن الأحجار تكفي إلا إذا تعدت النجاسة الشرج أي حلقة الدبر، وقال بقولهم سعد بن أبي وقاص وابن الزبير وابن المسيب وعطاء واستدلوا بحديث: إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليستطب بثلاثة أحجار فإنها تجزئ عنه كما تقدم وبنحوه من أحاديث الاستطابة. وذهبت العترة والحسن البصري وابن أبي ليلى والحسن بن صالح وأبو علي الجبائي إلى عدم الاجتزاء بالحجارة للصلاة ووجوب الماء وتعينه، واحتجوا لذلك بقوله تعالى: * (فلم تجدوا ماء فتيمموا) * (النساء: 43) وأجيب بأن الآية في الوضوء ولا شك أن الماء متعين له، ولا يجزئ التيمم إلا عند عدمه، وأما محل النزاع فلا دلالة في الآية عليه. قالوا: حديث الباب ونحوه مصرح بأن النبي (ص) استنجى بالماء، قلنا: النزاع في تعينه وعدم الاجتزاء بغيره ومجرد فعل النبي له لا يدل على المطلوب، وإلا لزمكم القول بتعين الأحجار، لأن النبي (ص) فعله وهو عكس مطلوبكم. قالوا: أخرج أحمد والترمذي وصححه والنسائي من حديث عائشة أنها قالت للنساء: مرن أزواجكن أن يستطيبوا بالماء فإني أستحييهم وأن رسول الله (ص) فعله، قلنا: صرحت بالمستند وهو مجرد فعل النبي له، ولم تنقل عنه الامر به ولا حصر الاستطابة عليه. قالوا: حديث قباء وفيه الثناء عليهم لأنهم كانوا
(١٢٢)