الانسانية إذا خرجت من القوة إلى الفعل اما في السعادة العقلية الملكية أو في الشقاوة (1) الشيطانية أو السبعية أو البهيمة انتقلت عن هذه النشأة إلى نشأة أخرى بالطبع وإذا ارتحلت عن البدن عرض الموت وهذا هو الاجل الطبيعي المشار إليه في الكتاب الإلهي كل نفس ذائقه الموت وهو غير الآجال الاخترامية التي تحصل بعروض الأسباب الاتفاقية والقواطع القسرية وبالجملة الموت طبيعي للبدن ومعناه مفارقه النفوس إياه مفارقه فطرية وترك استعمالها للبدن لخروجها من القوة إلى الفعل بحسب نشأة ثانيه وصيرورتها اما سعيدة فرحانة مسرورة بذاتها كالملائكة واما شقيه محترقة بنار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة كالشياطين والأشرار واما مغفورة بغفران الله سليمه الصدر عن الاغراض والغشاوات واما سائر النفوس (2) الحيوانية فهي محترقة بنيران الطبيعة ما دامت السماوات والأرض الا ما شاء الله فينجو من العذاب ويتخلص من العقاب فمثل الدنيا كالمزرعة وأرحام النسوان كالحرث نساؤكم حرث لكم والنطف في الأرحام كالبذور في المزارع والولادة كالنبت وأيام الشباب كالنشو وأيام الكهولة كالنضج وأيام الشيخوخة كاليبس والجفاف وبعد هذه الحالات لا بد من الحصاد وهو الموت وزمان القبر والصراط كالبيدر فكما ان البيادر يجمع فيها الغلات من كل جنس وتداس وتنقى وترمى القشور والتبن والورق من الثمر والحب ويجعل بعضها علفا للدواب وحطبا للنيران وبعضها لبوبا صالحه فهكذا يجتمع في الآخرة الأمم كلهم من الأولين والآخرين من كل دين قل ان الأولين والآخرين لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم وينكشف الاسرار يوم تبلى السرائر ويميز الله الخبيث من الطيب فيجعل الله الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعا فيجعله في جهنم وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون وهذا كله مستفاد من قوله تعالى في عده مواضع من كتابه الكريم ومن قول نبيه ع الدنيا مزرعة الآخرة فهذا بيان حكمه
(١٠٧)