" لحماية أنفسهم من الأخطار من خلال الولاية التكوينية، وكذلك حماية رسالتهم.. " فإن ذلك لا ينسجم مع إعطاء الخيار، والاختيار للانسان العاصي، والمطيع على حد سواء.. حيث قد ذكرنا أكثر من مرة: أن عدل الله سبحانه يقضي بأن لا يحول بين المرء وإرادته، وأنه إن كان ثمة من حاجة إلى التدخل الإلهي، فإنما يكون في خارج دائرة اختيار الانسان.
ولأجل ذلك، حين واجه إبراهيم تصميم قومه على قتله بإحراقه بالنار، اقتضى العدل الإلهي أن يمارس الطغاة حريتهم في جمع الحطب، وفي إضرام النار، وفي أخذ إبراهيم، ووضعه في القاذف (المنجنيق)، وإطلاقه، ووضعه وسط النار، ولم تتدخل الإرادة الإلهية للحيلولة بينهم، وبين ما أرادوه، فلم نجد أيديهم قد تعطلت عن الحركة، ولم نجد المنجنيق (القاذف) استعصى عليهم بل فعلوا كل ما أحبوه، ولكن الإرادة الإلهية تدخلت من خارج هذه الدائرة، وتوجهت إلى النار نفسها وحالت بينها، وبين إنتاج النتيجة المفترضة، وهو الإحراق.. (قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم.. (.
وهكذا الحال بالنسبة إلى نبينا حين الهجرة، فإن المشركين قد فعلوا كل ما أرادوا، ولكن التدخل الإلهي قد كان خارج دائرة اختيارهم، حيث نسجت العنكبوت على باب الغار، ونبتت الشجرة، وباضت الحمامة الوحشية على باب الغار أيضا، واحتضنت بيضها، فتوهم المشركون: أن لا أحد في داخل ذلك الغار، فانصرفوا عنه..
ولأجل ذلك نجد المسلمين رغم أنهم كانوا يعانون من حفر الخندق، ومن حرب الأحزاب، فإن الله لا يتدخل لينجز لهم ما هو مطلوب منهم، ولا يحول بصورة جبرية بين أولئك الأشرار، وبين ما يريدونه من شر بالمسلمين..
بل يكون التدخل في دائرة أخرى، وهي تكثير الطعام حتى ليأكل الجيش كله من شاة عجفاء، ليزداد المسلمون بصيرة في أمرهم، وثقة بربهم، ولينجزوا أمر الجهاد ومن ثم، يحققون الأهداف الإلهية باختيارهم وبملئ إرادتهم لينالوا ثواب المجاهدين الصابرين..