ويعرف أيضا: بعمق أنه المحل الأعظم لتلك النعم ويعرف عظمتها وتنوعها في مختلف جهات وجوده ويجد ويحس بآثارها في جسده، وفي روحه ونفسه، وكيف أن كل ذرة في الكون مسخرة لأجله، ولأجل البشر كلهم حسبما صرح به القرآن الكريم، ويعرف الكثير من أسرار ملكوت الله سبحانه..
وخلاصته أن النبي والولي يحس أكثر من كل أحد بقيمة وعظمة واتساع النعم التي يفيضها الله عليه.
فلا غرو إذن إذا كان يرى نفسه - مهما فعل - مذنبا، ومقصرا لعدم قيامه بواجب الشكر لذلك المنعم العظيم.. بل هو يبكي.. ويبكي من أجل ذلك، ولا يكف عن بذل الجهد.. وحين يقال:
يا رسول الله ما يبكيك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك، وما تأخر؟ نجده يقول: أفلا أكون عبدا شكورا.
ونوضح ذلك بالمثال، فنقول: إن من يريد تقديم هدية لسلطان أو ملك، فإنه قد لا يجد فيما يقدمه ما يناسب جلال السلطان وأبهة الملك، فيرى نفسه مقصرا فيما قدمه إليه.. بل ومذنبا في حقه.. تماما كما كان لسان القبرة التي أهدت لسليمان جرادة كانت في فيها، وذلك لأن الهدايا على مقدار مهديها.
وواضح أن حال المعصوم مع الله تختلف عن حالنا، فهو يعرف الله حق معرفته، ولأجل ذلك فإن عبادته له ليست خوفا من ناره ولا طمعا في جنته، بل لأنه يراه أهلا للعبادة، فهو يعبده عبادة العارفين، والعالمين.. كما أنه يعرف أيضا أن موقعه يجب أن يكون موقع العبودية التامة، والخالصة، لأنه واقف على حقيقة ذاته في ضعفه، وفي واقع قدراته، وحقيقة قصوره وحاجته إليه في كل آن، كما هو واضح لا يحتاج إلى مزيد بيان.. ويرى نفسه مذنبا في هذا التقصير.. وقد يجر عليه ذلك فقدان لطف الله به، وهتك العصم التي يكون بها قوته وثباته، ثم قطع الرجاء، وحبس الدعاء.. الخ.
ثالثا: وبتقريب آخر نقول: إن نسيج الأدعية والأذكار حين يراد له أن يكون دعاء أو ذكرا مرسوما للبشر كلهم بجميع فئاتهم، ومختلف طبقاتهم