القلبي في الموضوع في تأثره بنور الله.. (قال لن تراني..) لأن الرؤية لا تكون إلا للمحدود الذي يحمل خصائص مادية، فيما يستحيل فرضه بالنسبة إلى الله الذي لا تدركه الأبصار وليس كمثله شيء.. (ولكن انظر إلى الجبل فان استقر مكانه فسوف تراني..) إنها التجربة التي تعطي لموسى فكرة توضيحية للمسألة المطلوبة.. ولكن من جانب آخر.. فقد أراد الله له أن ينظر إلى هذا الجبل العظيم.. وهو يتهاوى قطعة قطعة حتى يتحول إلى رميم أمام التجلي الإلهي الذي قد يكون كناية عن تسليط نوره عليه.. فكيف يمكن لمخلوق مثله أن يواجه نور الله.. فضلا عن أن يواجه الله بذاته - لو كان ذلك أمرا ممكنا " (1).
وقفة قصيرة إن موضوع رؤية الله سبحانه، وصفاته، وأصول العقيدة، هي من الأمور التي يدركها العقل، وبه تعرف، وليست مما يعرف بالسمع، إلا من حيث تأكيد حكم العقل، والإرشاد إليه.
إذن كيف لم يكن موسى النبي (ع)، الذي سبق له مواجهة فرعون، المدعي للربوبية، كيف لم يكن يعرف - على حد قول البعض - إلى مضي زمن طويل من نبوته أن الله سبحانه لا يرى؟.
فهل يعقل أنه لم يخطر في بال موسى أن يستعد لمواجهة طلب محتمل جدا من فرعون ومن بني إسرائيل رؤية هذا الإله الذي كان يأتيه جبرئيل بالأوامر والتوجيهات والتوجهات من قبله، ولم يطلب من جبرئيل أن يجمعه به ويتحدث إليه!!
ويقول:
" لذلك فإن الله تعالى لم يعرف موسى حتى ذلك الوقت أنه لا يرى " (2).
ولا ندري لماذا لم يكن قد مر في خاطر موسى هذا التصور التفصيلي للذات الإلهية؟ وكيف خيل إليه ذلك في هذا الوقت بالذات، ولم يخيل ذلك قبل هذا الوقت؟! ولماذا لم يعرفه الله ذلك في بدايات نبوته وانتظر إلى أن مضت هذه المدة كلها؟! وهل يمكن أن يرسل تعالى نبيا لا يعرفه حق المعرفة؟ وهل يمكن أن نقبل ممن لا يعرف أصول الدين وصفات الباري تعالى أن يكون مرشدا دينيا في قرية؟ فكيف نرتضي أن يكون نبيا لله سبحانه - فضلا عن أن يكون نبيا من أولي العزم