وقفة قصيرة إن من الواضح: أن مخالفة هارون لموسى، الذي هو إمام لهارون، إنما تعني التأسيس لتجويز مخالفة كل مأموم لإمامه، وتبرير خروجه عليه. أضف إلى ذلك أن الاختلاف في الرأي هنا يستبطن وجود مخطئ ومصيب، فبأيهما تكون الأسوة والقدوة للناس والحالة هذه، والمفروض أن كلا منهما نبي ومعصوم!!؟
وأضف إلى ذلك أيضا: أنه إذا كان اختلاف الرأي يرتبط بالدعوة وأسلوبها، فذلك يعني أن هذا النبي يجهل تكليفه الشرعي، فكيف يمكنه تبليغه للناس، وإعلامهم به؟! ألا يلزم من ذلك تبليغ حكم خاطئ لا واقع له؟!
والذي نقوله نحن هنا هو: أنه لم يكن ثمة اختلاف في الرأي، فيما بين موسى وهارون عليهما السلام، ولا كان ثمة جهل بالتكليف الشرعي، ولا غير ذلك مما تقدم، فان الاختلاف في الموقف تجاه الواقعة الواحدة، ينبئ عن جهل بالحكم الشرعي، في كيفية التعاطي مع بني إسرائيل.
كما أن اتهام نبي بالتساهل في القيام بمهماته، وتسببه في ما حصل للناس، من انحراف وضلال تعتبر تهمة خطيرة على مستوى الإعتقاد في الأنبياء وفي النبوات بصورة عامة، بل في هذا اتهام صريح لحكمة الله تعالى، حيث أرسل مع موسى من ينقض غرضه في تبليغ الرسالة، ويكذب توقعاته فيه، كما جاء في الآية الكريمة: (واجعل لي وزيرا من أهلي، هارون أخي، أشدد به أزري) (1).
ومهما يكن من أمر فإن الآيات الشريفة قد فسرت على غير وجهها الصحيح، إذ إن ما أظهره موسى (ع) تجاه أخيه هارون (ع) لم يكن سببه الاختلاف في الرأي بينهما في كيفية المعاملة، بل كان من أجل إظهار خطر ما صدر منهم، ومدى بشاعة الجريمة التي ارتكبوها.. ثم من أجل إظهار براءة هارون (ع)، وتحصينه من نسبة القصور أو التقصير إليه.
وقد بين موسى (ع): أنه لم يتهمه بمعصية أمره ليستحق - بزعم البعض - هذه المواجهة القاسية، وهذا العتاب والتوبيخ بهذه القوة، بل وجه إليه سؤالا عن ذلك ليسمع الناس جوابه الذي يتضمن برهانا إقناعيا يدل على دقته، وحسن تقديره