وحزنه في نفسه، ولم يتصرف تصرف الجازعين الذين يتمردون على إرادة الله، ولكنه يعطي للحزن دوره الهادئ في قلبه وإحساسه وشعوره، من دون أن يترك الحزن تأثيره على حياته وعلى دوره في رسالته وحركته في الحياة (قالوا تالله (لقد فوجئوا بذكره ليوسف الذي يقال بأنه غاب عنهم مدة ثمانية عشر عاما، وظنوا أن أباهم قد نسيه، لأن الذكريات الماضية تذوب وتزول وتذهب (قالوا تالله تفتأ (أي لا تفتأ ولا تزال (تذكر يوسف حتى تكون حرضا (أي مشرفا على الهلاك قريبا من الموت (أو تكون من الهالكين (أو يؤدي بك ذلك إلى الهلاك (قال إنما أشكو بثي وحزني إلى الله (أنا لا أشكو بثي وحزني إليكم، فأنا لا أشكو لبشر، وأنا عندما أتذكر يوسف وآسف على غيابه، فإنما أجلس في حالة مناجاة مع الله، ولذا فإني أرجع شكواي إلى الله وأقدم حزني بين يديه سبحانه، فهو الذي يملك إزالة حزني عني ويبدله إلى فرح، وعندما أعبر عن حزني فليس لإثارة الإشفاق علي من الناس، أو لأفرض حزني عليهم (وأعلم من الله ما لا تعلمون (أعلم من الله أنه رحيم بعباده، فهو يعطي الأمل من قلب اليأس وهذا ما أعلمه من خلال معرفتي به تعالى، لذلك لم أفقد ثقتي بربي أو إيماني به، ولا أرى أن التعبير عن الحزن يتنافى مع استسلامي له، فالتعبير عن الحزن حالة إنسانية، والاستسلام إلى الله هو حركة هذه الحالة بين يدي الله حتى تعين الإنسان على أن ينفتح على المستقبل أكثر من خلال الله، لا من خلال غيره (1).
وقفة قصيرة ونلاحظ:
1 - من الواضح: أن الجزع المذموم والمرفوض من قبل الشارع هو الذي يستبطن الاعتراض على الله سبحانه حين يعتبر الجازع أن ما حدث يمثل ظلما، وتعديا وتصرفا غير سديد.. كما أن من الواضح أيضا: أن إظهار الحزن الشديد لا يستبطن الاعتراض على الله بحيث لا ينفك هذا الإظهار عن ذلك الاعتراض، إذ كثيرا ما ينطلق الجزع من حب الله ومن شدة الاهتمام بالحفاظ على الدين ورموزه الكبرى، وهذا يكون جزعا ممدوحا، ومحبوبا له تعالى، ومندوبا إليه، وقد ورد في الحديث عن الإمام الصادق (عليه السلام):