قصة سليمان وداود عليهما السلام نموذج فذ وإذا راجعنا سورة النمل، فإننا نجد فيها نماذج فذة عن تعاطي سليمان وداود (ع) مع ما آتاهما الله سبحانه في هذا المجال. وأول ما يواجهنا في الحديث عنهما عليهما السلام أنه تعالى قد وفر لهما الأدوات الضرورية للتعامل مع هذه المخلوقات في نطاق رعايتها وهدايتها وتوجيهها. فنجدها تبدأ الحديث بأن الله قد آتاهما علما، وعلما منطق الطير، وأوتيا من كل شيء، ثم ذكرت الآيات نماذج تطبيقية لهذا العلم، وللمعرفة بجميع الألسنة.
ثم لتأثير ما آتاهم الله سبحانه في إدارة الأمور، وتوجيهها ورعايتها، والهيمنة عليها بصورة حيوية وبناءة وإيجابية، لا تأتي إلا بالخير، ولا تؤدي إلا إلى الفلاح.
فقد قال تعالى: (ولقد آتينا داود وسليمان علما، وقالا: الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين. وورث سليمان داود، وقال: يا أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء، إن هذا لهو الفضل المبين. وحشر لسليمان جنوده من الجن، والإنس، والطير فهم يوزعون. حتى إذا أتوا على وادي النمل، قالت نملة: يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم، لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون، فتبسم ضاحكا من قولها) (1).
مع آيات سورة النمل وقد أظهرت الآيات المتقدمة كيف تم توظيف كل القدرات المادية وغيرها في تحقيق رضا الله سبحانه، وبناء الحياة وتكاملها باتجاه الأهداف الإلهية، ووفقا للخطة الربانية. بدءا من قصة تبسم سليمان من قول النملة، مرورا بقصة الهدهد والدور الذي قام به، والإتيان بعرش بلقيس من قبل أحد أتباع سليمان (ع) بعلم من الكتاب قبل ارتداد الطرف، ثم تنكير عرشها لها، وانتهاء بأمرها بدخول الصرح الذي حسبته لجة، مع أنه صرح ممرد من قوارير.
وقد تجسد ذلك كله من خلال حاكمية وإمامة سليمان عليه وعلى نبينا وآله الصلاة والسلام، ورعايته وهدايته التامة والشاملة.
وقد كانت هذه الهداية والرعاية مستندة إلى علم آتاه الله إياه، وإلى إمكانات ذات صفة شمولية. (وأوتينا من كل شيء) فلم يكن ثمة أي قصور في القدرات الذاتية،