فأقامه، قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا، قال هذا فراق بيني وبينك، سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا، أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر ((1).
تفسير الآيات قد قلنا: إنه إذا كان ثمة وجه صحيح ومعقول، ومنسجم مع دلالات الآيات القرآنية، فلماذا اللجوء إلى تفسير الآيات بطريقة توجب الشبهة، وتوقع في المحذور.
ونحن نذكر فيما يلي عرضا موجزا لما ترمي إليه الآيات، دون أن يكون ثمة أي محذور عقائدي، فنقول:
1 - إن المراد بالقصة المشار إليها في كلام هذا البعض هي قصة العبد الصالح وموسى (ع)، ومن الواضح أن نسبة النسيان - بهذا المعنى - إلى موسى تعني نفي العصمة عنه من هذه الجهة، كما أن موسى لم ينكث العهد، لأنه لم يكن قد عاهد الخضر (ع) على السكوت على ما يراه مخالفا لأحكام الشريعة، وحقائق الدين، وقد كان تكليفه الإلهي أن يعترض وأن يسأل.. وأن يظهر حساسية بالغة لصالح الالتزام بالحكم الشرعي، ولو لم يعترض (عليه السلام) لم يكن أهلا لمقام النبوة والرسالة.
2 - إن قول موسى عليه السلام: لا تؤاخذني بما نسيت، لا يعني: أن المبرر لاعتراضه على الخضر هو النسيان وأنه يعتذر له منه، ولأجل ذلك لم يقل له: لا تؤاخذني بنسياني، بل قال: بما نسيت، أي: بتركي العمل في المورد الذي كان علي أن أهمل الوعد فيه، وأزيحه عن ذاكرتي، لكي أبادر لمواجهة ما أراه من مخالفة للشرع، إذ لا يجوز لي في هذا الموقف إلا أن أبادر للردع عن المنكر الظاهر، فالمراد بالآية الاعتذار بالانشغال بالأهم عن غيره..
3 - وحين أكد له الخضر (ع) بصورة ضمنية على أن عمله ليس فيه مخالفة للحكم الشرعي، وأنه سيعرف باطن الأمر في الوقت المناسب، قبل منه ذلك، فلما تكرر ما ظاهره المخالفة كان لا بد من تكرار الاعتراض، عملا بالتكليف الإلهي، ولم يستعجل الحكم، ولا نكث العهد، ولا كان ذا فضول