وحتى لو قبل هذا البعض بما ورد عنهم (عليهم السلام) في تفسير قوله تعالى: (إن إلينا إيابهم (فإن ذلك لا يدفع هذا الإشكال، لأنه ناظر إلى عالم الآخرة لا إلى الدنيا.
19 - وفي قضية طلب إبراهيم عليه السلام من الله أن يريه كيف يحيي الموتى.. قال: فخذ أربعة من الطير.. إنما كان الأمر متعلقا برؤية التصرف الإلهي المباشر.. وتجسيد نفس هذه القدرة الإلهية.. وأما تصرف إبراهيم عليه السلام، فربما لا يحقق النتيجة المتوخاة.. فإن في نسبة الفعل إلى نفسه، وأن يكون له هو دور في الخلق، إيحاءاته التي لا تنسجم مع ما يسعى إبراهيم (ع) إلى تحقيقه، وهو إخراج قضية الإيمان الراسخ المستند إلى البرهان والحجة، من حالة المعادلة العقلية إلى دائرة التجسد الحي على صفحة الوجود، سعيا وراء تحقيق السكينة، ليتلائم، وليتحد السكون النفسي مع تلك القناعة الفكرية والعقلية الراسخة، ليكونا معا الرافد للأحاسيس والمشاعر.
20 - وعن موسى عليه السلام نجد الله سبحانه قد نسب الفعل إلى موسى نفسه في بادئ الأمر، (فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين، ونزع يده فإذا هي بيضاء.. (.
وحين تحدث سبحانه بعد ذلك عن إيحائه له: (أن ألق عصاك (لم يبين: أن هذا الفعل هو لموسى (ع)، بأن يكون تعالى قد أمره باستخدام الطاقة، والقدرة التي منحه إياها.. أو أنه تعالى، قد تصرف مباشرة من دون أن يكون لموسى (ع) أية علاقة بذلك.. لا شك أن الخيار الأول هو الأولى بالاعتبار، لأن الإيحاء إلى موسى عليه الاسلام بأن يفعل كذا.. معناه أن موسى نفسه هو الذي يملك القدرة على الفعل - وأن الله سبحانه هو الذي منحه هذه القدرة - كأي إنسان آخر يمنحه الله قدرة واختيارا، ثم يطلب منه أن يمارس قدرته باختياره..
وحين أوحى الله سبحانه إلى أم موسى: (أن اقذفيه في اليم (فإنه أوحى إليها أن تفعل ذلك باختيارها.
إذن، فلا معنى لقول هذا البعض:
" ونحن لا نرى أي جهد لموسى في الموضوع فإنه كان يعيش دور المنفعل الذي يحول الله يده السمراء إلى بيضاء، ويحول عصاه إلى ثعبان الخ.. "