362 - الجانب الغيبي لا يتدخل في تضخيم شخصية النبي على حساب بشريته العادية.
363 - اللكنة في لسان موسى تثير السخرية ونحوها.
وبعد ما تقدم نقول:
يتحدث البعض عن طلب موسى من الله أن يشد عضده بأخيه هارون، فكان مما لاحظه في هذه القصة ما أجمله بقوله:
".. (واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي) فقد كان يعيش حبسا في لسانه بحيث يمنعه من الطلاقة التي تفصح الكلمة بحيث يفهم الناس ما يريد أن يقوله.. لأن الرسالة تتصل بحركة الكلام في لسانه، وطريقة التعبير في كلامه.
وتلك هي مشكلته الخاصة التي أراد الله أن يساعده في حلها وترويضها وتيسيرها وتسهيل صعوباتها.. فيما يريد أن يمارسه بجهده الذاتي (واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي اشدد به أزري وأشركه في أمري) لأن المهمة تحتاج إلى جهد آخر يشترك مع جهده في الدعوة والحركة والانطلاق.. ليعاون أحدهما الآخر فيما يمكن أن يواجههما من مشاكل وقضايا وصعوبات، خصوصا في جانب الدعوة في طبيعة الكلمة والمنهج والأسلوب، الذي يتمتع هارون بمميزات جيدة لأن لسانه أفصح من لسان موسى، كما جاء في سورة أخرى.. وتلك هي الروح المتواضعة الجادة التي تدرس حجم المسؤولية، وحجم إمكاناتها فإذا رأت بعضا من الخلل الذي قد يصيب المسؤولية أمام ضعف الإمكانات، فإنها لا تتعقد ولا تهرب من الواقع لتلجأ إلى الذات في عملية استغراق في الإيحاء بالقدرة الشاملة غير الموجودة لينعكس ذلك سلبا على حركة الموقف العملي، بل تعمل على أن تستكمل القوة من جانب آخر لمصلحة العمل المسؤول.. وهذا هو ما فعله النبي موسى (ع) عندما أراد من الله أن يضيف إليه شريكا في أمره، لأنه يعيش بعض نقاط الضعف التي يملك فيها هارون نقاط قوة..
وهذا هو الذي يوجب على العاملين في سبيل الله، أن يواجهوه فيما يتحملونه من مسؤوليات ليعملوا على الإخلاص للدور العملي في استكمال كل الإمكانات التي يحتاجها، ولو كانت لدى الآخرين.. لأن ما نعانيه في ساحة العمل، هو أن بعض العاملين قد يدفعهم الشعور الأناني بالعظمة الفارغة، فيسيئون إلى مسؤولياتهم للحفاظ على ذواتهم لأنهم لا يريدون الاعتراف بالحجم المحدود لقدراتهم، وبالإمكانات المتوفرة لدى الآخرين " (1).