" ولم ينتبه إلى كلمة: (إلا من سبق عليه القول) فأقبل إلى ربه بالنداء الخ.. " (1).
وقفة قصيرة إننا نسجل هنا ما يلي:
أولا: إنه ليس ثمة من دليل ملموس يدل على أن نوحا صلوات الله وسلامه عليه كان يعلم بكفر ولده، فلعله كان قد أخفى كفره عن أبيه، فكان من الطبيعي أن يتوقع عليه السلام نجاة ذلك الولد الذي كان مؤمنا في ظاهر الأمر، وذلك لأنه مشمول للوعد الإلهي، فكان أن سأل الله سبحانه أن يهديه للحق، ويعرفه واقع الأمور، فأعلمه الله سبحانه بأن ولده لم يكن من أهله المؤمنين، وأنه من مصاديق (من سبق عليه القول (.. فتقبل نوح ذلك بروح راضية (2).
ثانيا: إنه ليس ثمة ما يدل على أن نوحا عليه الصلاة والسلام قد عاش الحسرة على ولده، من حيث إنه ولده.. فإن الأنبياء يعيشون الحسرة على الكافرين لما يفعلونه بأنفسهم، لا لقرابتهم منهم.
والشاهد على ذلك ما حكاه القرآن عن نبينا الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، حيث خاطبه الله بقوله: (فلا تذهب نفسك عليهم حسرات (.
ويقول: (فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا (.
ويقول: (لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين (.
غير أننا إن تأكد لدينا أن نوحا عليه السلام كان واقفا على كفر ولده، فإن من المعقول والمقبول جدا فهم موقف نوح، على أنه عليه السلام قد أراد أن يفهم الناس الذين نجوا وهلك أبناؤهم وآباؤهم وإخوانهم وأحباؤهم، أراد أن يفهمهم من خلال الوحي الإلهي: أن لا خصوصية لمن نجا من أهل نوح، كما لا خصوصية لمن هلك منهم ومن غيرهم، إلا ما يدخل في دائرة الإيمان، فلهم النجاة، أو في دائرة الكفر فلهم الهلاك..
وأراد أن يفهمهم أيضا أن القضية قد نالت فيمن نالت حتى نبي الله نوحا في ولده.. وأن هلاك ذلك الولد لم يكن فيه خلف للوعد الإلهي، لأن المقصود