له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب * والشياطين كل بناء وغواص * وآخرين مقرنين في الأصفاد * هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب ((ص: 36 - 39)، فليس في القصة إلا دعاء واستجابة ربانية أعطته ما يريد من دون أن يكون له أي دور عملي أو قدرة واقعية في تحقيق ذلك.
ونصل - بعد هذه الجولة الطويلة - إلى عيسى (ع) الذي يدعى ظهور الآية في صدور المعجزة عنه من خلال جهده الذاتي الذي اكتسبه بإذن الله، وهذا هو ما جاء في الآية الكريمة: (أني أخلق من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم (فنلاحظ أنه ينسب الخلق إلى نفسه، كما يتحدث عن عملية إبراء الأكمه والأبرص، وإحياء الموتى، والإخبار بالغيب في أوضاع الناس الخاصة إلى جهده وفعله الشخصي، ولكن بإذن الله.
وربما يجد القائلون بالولاية التكوينية الحجة الدامغة في هذه الآية الكريمة، ولكننا نستوحي من كلمة: (بإذن الله (في هذه الآية، أو كلمة: (بإذني ((المائدة: 110) أن دور عيسى كان دور الآلة التي تتحرك لتصنع شيئا كهيئة الطير وتنفخ فيه، فيبعث الله فيه الحياة، وهكذا يضع يده على الأكمه والأبرص، وعلى الميت، فتحدث العافية في الأولين، وتنطلق الحياة في الثالث من خلال إرادة الله.
من هنا فإن كلمة (بإذن الله (لا تعني معناها الحرفي اللغوي، بل تعني معنى القوة التي تنطلق لتحقق النتائج الحاسمة التي لا يملك عيسى (ع) اية طاقة خاصة به فيها.
وهكذا نرى أنه لا دليل في كل هذه المواقع على الولاية التكوينية في النص القرآني، بل ربما نجد الدليل على خلافها من خلال الآيات التي تدل على أن النبي لا يملك شيئا في ذلك كله وأن مهمته الأولى والأخيرة هي الرسالة في حركتها في الإبلاغ والتبشير والإنذار، وهداية الناس إلى سبل السلام في الطريق إلى الله، بل ان القرآن يؤكد وجود عناصر الضعف البشري في ذات الرسول، ولكن في المستوى الذي لا ينافي العصمة، فنقرأ في سورة الإسراء قوله تعالى (وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا * أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا * أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتي بالله والملائكة قبيلا * أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا) (الإسراء: 90 - 93) فنحن نلاحظ أن النبي (ص) لم يتحدث عن رفضه للمعجزات الإقتراحية التي يوجهها الناس الكافرون