غيرني الزمان إلى الحالة التي لم يبق لي معها شيء من الحيوية تماما كالعود اليابس الذي لا خضرة فيه ولا حياة، فكيف أن أهب الحياة لغيري في مثل هذه الظروف المستحيلة. وكأن زكريا قد فوجئ بأمر لم يكن منتظرا لأنه لم يحسب أن المسألة تتم بمثل هذه السهولة، وأن الدعاء يستجاب بهذه السرعة، وأن ما كان مستحيلا في نظره أصبح واقعا في حياته.. وربما كان يتصور أن دعاءه بالولد يدخل في نطاق التمنيات التي يتحدث بها الإنسان إلى ربه، من دون أن يكون له طمع كبير في حصولها، لا لأنه يشك في قدرة الله على ذلك بل لأنه لا يعتقد أن الله يتدخل في الأمور بشكل غير عادى لمصلحة شخص معين، بعد أن جعل الحياة كلها خاضعة للسنن الكونية في وجود الأشياء وفي حركتها العامة والخاصة.. وهذا هو ما جعل السؤال ينطلق منه فيما يشبه الصراخ العنيف، فيما توحي به الآية (قال كذلك قال ربك) وهذا هو ما سمعه من الصوت الخفي الذي كان يتحدث إليه من دون أن يرى أحدا أمامه.. فليس هو الله الذي كان يكلمه بل هو شخص آخر غير الله، قد يكون ملكا، أو يكون أي شيء آخر (هو علي هين) فلن يصعب على الله أن يبدع الحيوية فيك وفي زوجتك لتستطيعا إنجاب ولد، بعد هذا العمر الطويل (وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا) فكيف تواجه المسألة بما يشبه المفاجأة..
وربما أراد زكريا أن يعيش الطمأنينة القلبية التي توحي إليه بأن هذا الوحي الذي يلقى إليه، بالواسطة، فيما يسمع من صوت، لا يرى صاحبه، هو وحي الله فأراد أن يستوثق لقناعته، فطلب آية لا يستطيع غير الله أن يحققها، لأنها تتصل بوحدانية القدرة لديه.
(قال رب أجعل لي آية) ترتاح إليها نفسي ويطمئن لها قلبي، فأعرف أن هذه البشارة، المعجزة، هي منك، وحدك، لا من غيرك لتكون المعجزة في حياتي هي الدليل على المعجزة القادمة و (قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا) وذلك بأن يحتبس لسانك فلا تقدر على النطق في هذه المدة، من دون علة أو صدمة، ولكن بقدرة الله ، فتلك هي الآية المطلوبة في الدلالة على أن كل ما بك وما ينتظرك فهو من الله " (1).
وقفة قصيرة إن هذا البعض يطرح أمورا لم نعرف ما هي المبررات لطرحه لها بهذه الطريقة، فنلاحظ ما يلي: