397 - قد لا يكون خروج يونس تهربا من المسؤولية.
يقول البعض:
" ولكن المراد هنا من كلمة (نقدر) المعنى الذي يلتقي بالتضييق، أو بالتحديد كما في قوله تعالى: (وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه ((الفجر: 16) وهكذا يكون معنى الآية، إن هذا العبد الصالح خرج مغاضبا لقومه، وهو يظن أنه قد ملك حريته، بعد أن انتهت مهمته باستنفاد كل تجاربه في الدعوة إلى الله وعدم تجاوب قومه معه، واستحقاقهم العذاب على ذلك، وقرب نزوله عليهم، فلم يفكر بالمرحلة الجديدة من عمله، ولم ينتظر عودتهم إلى الإيمان من خلال التجربة الأخيرة التي قد تحقق نتائج كبيرة على هذا الصعيد، وهي مسألة تهديدهم بالعذاب الذي ثبت - بعد ذلك - أنه كان الصدمة القوية التي أرجعتهم إلى عقولهم، فانفتحت قلوبهم على الإيمان بالله وبرسالاته من جديد. كما حدثنا الله عن ذلك في آية أخرى.
لقد كانت لحظة انفعال تختزن الغضب لله، ولكنها لم تنطلق للتفكير بالمستقبل في آفاق الدعوة إلى الله، التي تعمل على أن تطل على الآفاق الواسعة من عقل الإنسان وروحه وقلبه لتنتظر منه انفتاحة إيمان، ويقظة روح، وخفقة قلب.. وفي هذا الجو كان خروجه السريع، سرعة انفعالية في اتخاذ القرار، وقد لا يكون ذلك تهربا من المسؤولية، وحبا للراحة، وابتعادا عن أثقال الرسالة ومشاكلها، فربما كان الجو يتحرك في حالة شديدة من الحيرة والغم والحزن، مما يريد معه أن يخرج من هذا الجو الخانق ليجد لنفسه ملجأ جديدا، أو موقعا آخر للدعوة، أو لأي مشروع جديد، في هذا الاتجاه، وهو يظن أن الله لن يضيق عليه أمره، في رزقه، وفي حركته، وجاءت النتيجة غير ما كان يتصوره أو ينتظره، فالتقمه الحوت، بعد أن وقعت القرعة عليه، وعاش في ظلمات البحر، وجوف الحوت، وظلمات الهم والغم، وانفتحت أمامه من جديد، آفاق إيمانه الواسع، فعاش روحيته مع الله في ابتهال وخشوع، وبدأ يتذكر لطف الله به ورعايته، وتكريمه إياه من خلال ما اختصه به من رسالته وما سهل له من سبل الحياة، وهداه اليه من وسائلها، وكيف خرج من دون أن يستأذن الله في ذلك، أو ينتظر ما يحدث لقومه، فانطلقت صرخته المثقلة بالهم الكبير الروحي والرسالي الذاتي، من كل أعماقه، في استغاثة عميقة بالله وحده لا سيما في مثل ظروفه التي لا يملك أحد فيها أن يقدم إليه شيئا.
(فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت (فلا ملجأ لأي هارب أو ضائع أو حائر إلا إليك، ولا ملاذ إلا أنت، فأنت القادر على كل شيء، والرحيم لكل مخلوق، والعليم بكل الخفايا والمهيمن على الأمر كله والغافر لكل ذنب، والمستجيب لكل داع، والمغيث