علما أنه قد ثبت في علم الكلام أنه لا يجب على النبي الاستجابة لكل المطالب من المعاجز الاقتراحية التي يطلبها آحاد أو جماعات القوم الذين بعث إليهم ويكفيه في اثبات صدقه معجزته التي يلقيها من تلقاء نفسه.
2 - مهمة الأنبياء وعلومهم:
إن مهمة الأنبياء لا تنحصر بالتبليغ والدعوة، وإنما تتجاوز ذلك ليكونوا القادة والذادة والحكام على الناس، المهيمنين على مسيرة البشرية، حيث يريدون ايصالها إلى الله سبحانه، من خلال تربيتهم وهدايتهم لها، وحاكميتهم وهيمنتهم على كل شؤونها، في مسيرتها إلى كمالها، الذي ينتهي بها إلى معرفته سبحانه وتعالى. ولهم إشراف على كل الواقع الروحي، والعقيدي والتربوي، والسلوكي للأمة، وعلى كل علاقاتها بأي شيء في هذا العالم، سواء على مستوى الفرد أو على مستوى الجماعة.
ولأجل ذلك يرفع للامام عمود من نور يرى فيه أعمال الخلائق. وهذا يحتم أن يكونوا على درجة كبيرة من المعرفة، وان يملكوا قدرات وطاقات كبيرة، تتناسب مع حجم المهمة الموكلة إليهم على مستوى البشرية بل والعالم بأسره.
والعنصر الأساس والضروري والحساس في هذه الهيمنة الشاملة هو العلم، وهو الأمر الذي ظهر لنا من قصة داود (ع): انه هو الوسيلة الأعظم تأثيرا في ذلك. وقد قال تعالى (ولقد آتينا داود وسليمان علما) (1).
وقد قال سليمان (ع): (علمنا منطق الطير) (2).
و وصف الله سبحانه داود: ب (ذا الأيد) (3) وقال: (وشددنا ملكه، وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب) (4).
بل إن أحد أتباع سليمان (ع) قد جاء بعرش بلقيس قبل ارتداد الطرف، بواسطة العلم، قال تعالى: (قال الذي عنده علم من الكتاب: أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك، فلما رآه مستقرا عنده) (5).