وحين فهم سليمان (ع) كلام النملة: (تبسم ضاحكا من قولها)، واعتبر ذلك نعمة إلهية تستوجب الشكر، الأمر الذي يشير إلى أنه هو الذي فهم قولها بما أنعم الله عليه من معرفة لغات الطير والحيوان وتعلمه لها.
كما أن معرفة سليمان (ع) بوجود عرش بلقيس لم تكن بواسطة المعجزة بل بواسطة الهدهد.
وتسخير الجبال، والجن، الطير، والريح لآل داود (ع)، وحتى لين الحديد لداود (ع) قد كان - فيما يظهر - من خلال المعرفة والعلم، لا لمجرد الإعجاز، وإلا لما كان يحتاج سليمان (ع) إلى مراقبة الجن الذين كانوا يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل، ولما كان بحاجة إلى تشغيلهم بالبناء، وبالغوص في البحار لاستخراج خيراتها. فقد كان بإمكانه إيجاد ذلك بالمعجزة، ولم يكن أيضا بحاجة إلى أن يقرن شياطين الجن بالأصفاد كما لم يكن بحاجة لتهديد الهدهد ووعيده، ما لم يأته بسلطان مبين..
وكذلك الحال بالنسبة لموسى (ع)، فإن الأمر لو كان يقتصر على الإعجاز المجرد، لم يكن ثمة حاجة إلى ضرب البحر بعصاه، ولا إلى تحول عصاه إلى ثعبان، بل كان البحر ينفلق وإبطال السحر يتم بدون ذلك، بصورة اعجازية. فهل كانت هذه الأسباب مجرد أدوات صورية لتقريب الفكرة إلى الناس؟!!. أم كانت شيئا آخر لم يدركه البعض، فقال ما قال، وكتب ما كتب!؟.
3 - المعصوم يعلم إذا أراد:
وأما استغرابه المعبر عن رفضه للقول بأن النبي يعلم الغيب - بلا حدود - إذا أراد (ويلاحظ، أنه أقحم كلمة: بلا حدود لغرض لا يخفى).
فهو عجيب منه وغريب، فإن من يراجع الروايات الواردة عن أئمة أهل البيت (ع) يجد أنهم هم الذين صرحوا بهذا الأمر، وأعلنوه وأشاعوه، فهو مأخوذ منهم وعنهم، فما هو الوجه في استغرابه واستهجانه.
كما أن طبيعة المهمة الموكلة إليهم تقضي بصحة - بل بضرورة - مثل هذه العلوم لهم، وأن يتمكنوا من الحصول عليها كلما وجدوا حاجة إلى ذلك..