عليه من كتاب، وما ألهمه من علم الشريعة والمنهج والحياة.. ولكن النبي لم يستجب له لأن هناك حالة مهمة يعالجها في دوره الرسالي المسؤول في محاولة لتزكية هؤلاء الكفار من وجهاء المشركين، طمعا في أن يسلموا ليتسع الإسلام في اتباع جماعتهم لهم، لأنهم يقفون كحاجز بين الناس وبين الدعوة، ولذلك أجل النبي (ص) الحديث مع هذا الأعمى إلى وقت آخر، فيما كانت الفرص الكثيرة تتسع للقاء به أكثر من مرة فتكون له الحرية في إغناء معلوماته بما يجب في جو هادئ ملائم، بينما لا تحصل فرصة اللقاء بهؤلاء دائما، فكانت المسألة دائرة، - في وعيه الرسالي - بين المهم، في دور هذا الأعمى، وبين الأهم، في دور هؤلاء الصناديد.
ولكن الله يوجه المسألة إلى ما هو الأعمق في قضية الأهمية في مصلحة الرسالة، باعتبار أن هذا الأعمى قد يتحول إلى داعية إسلامي كبير، (وما يدريك لعله يزكى) فيما يمكن أن يستلهمه من آيات القرآن التي يسمعها، مما يغني له روحه، فتصفو أفكاره، وترق مشاعره، وتتسع آفاقه " (1).
وقفة قصيرة ونقول: إن آيات سورة عبس هي التالية: (عبس وتولى. أن جاءه الأعمى. وما يدريك لعله يزكى. أو يذكر فتنفعه الذكرى. أما من استغنى. فأنت له تصدى. وما عليك ألا يزكى. وأما من جاءك يسعى. وهو يخشى. فأنت عنه تلهى) (2).
ونحن نشير هنا إلى ما يلي:
1 - إن الذي يلاحظ الآيات الشريفة لا يجد فيها أي شيء يدل على أن المقصود بها هو شخص رسول الله (ص) بل فيها ما يدل على أنها لا تليق به (ص)، فلماذا الإصرار على ذلك؟ من قبل البعض، وبشكل لا يقول به حتى من يدعي نزولها في النبي (ص) من العامة.
2 - إن قوله تعالى: (وما يدريك) ليس خطابا لرسول الله، وإنما هو التفات من الغيبة إلى الخطاب، مع العابس نفسه.
3 - إن قوله تعالى: (فأنت له تصدى) لا يدل على أنه كان يتصدى له