الهدف من الخلقة، وضروراتها الطبيعية وإن من الواضح: أن الله قد خلق هذا الإنسان وأراد له أن يدخل هذا الوجود ليقوم بدور هام فيه، وهو أن يعرف الله تعالى، ويعبده؛ قال تعالى: (وما خلقت الجن والإنس الا ليعبدون) وقد أباح له في هذا السبيل أن يعمر هذا الكون، ويتكامل فيه، ومعه، ومن خلاله، قال تعالى (هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها) (1) نعم، إنه أراد له أن ينطلق في هذه الحياة في مسيرة تكاملية سليمة وقويمة، تستطيع أن تحقق الأهداف السامية من خلقته، وهي العبودية المطلقة والحقيقية لله سبحانه وتعالى.
هذا مع العلم أن ما في هذا الكون ليس جمادا بقول مطلق، وقد دلت الآيات الكثيرة، والروايات المتواترة: أن لدى الكثير من الموجودات إن لم يكن كلها درجة من الشعور، تجعل التعاطي معه ذا حساسية معينة.
وذلك كله يستدعي رسم ملامح شخصية هذا الإنسان بصورة تتناسب مع الدور الكبير الذي أعده الله له.
كما أنه يتطلب أن يقدم له أطروحة تشتمل على ضوابط ومناهج تحفظه من الزلل والخطأ في تعاطيه الإيجابي أو السلبي في جميع المواقع والمواضع على أن تكون تلك المناهج موضوعة من قبل من يملك المعرفة الحقيقية والكافية، ومن له الحق في ذلك.
كما لا بد من أن يمنحه قدرات وإمكانات تفي بحاجاته، ويستفيد منها في نطاق انطلاقته في هذه الحياة، وتعاطيه الإيجابي مع كل ما يحيط به من منطلق المعرفة التي تمكنه من تسخير ما في هذا الكون، والاستفادة مما أودعه الله فيه من خلال الهيمنة على نواميسه الطبيعية وتفعيلها، وبث الحياة فيها، وإثارتها، واستكناه الكثير من أسرارها، وتحريك كوامن هذا الكون وتوظيف ذلك كله في مجال تحقيق الهدف الأسمى وبناء الحياة، ومساهمته الحقيقية في إعمار هذه الأرض، وفي إسعاد الإنسان وتكامله، وبإنمائه المطرد في خصائصه الإنسانية، فيما يرتبط بحالاته الروحية، والنفسية، والفكرية، والعقيدية، فضلا عما سواها مما يدخل في تكوينه الإنساني، وله دوره في فاعليته الحياتية، وتأثيره الإيجابي في كل ما يحيط به.
ومن هنا نجد الإسلام يرصد هذا الإنسان ثم يتدخل في أدق تفاصيل