متوترة لا تملك الصبر على ما يواجهه من علامات الاستفهام، أو على ما يراه من مظاهر الانحراف.. ولكن موسى يصر على الحصول على شرف مرافقته، لأن الله يريد له ذلك، فهو مأمور باتباعه.
(قال ستجدني إن شاء الله صابرا) فيما يصبر عليه طالب المعرفة من الجهد النفسي والعملي الذي يتحمله في سبيل الحصول عليها.. إنه العزم الذي يتحرك في إرادتي التي لا أضمن امتدادها في خط الالتزام العملي إلا بمشيئة الله، فيما يقدره من أسباب، وفيما يخلقه من ظروف، وفيما يثيره في حياتي من أفكار ومشاعر، قد تغير العزم، وتسقط الالتزام، إن القضية هي أني أعدك بالصبر، فسأكون صابرا، أتحمل كل النوازع الذاتية الصعبة (ولا أعصي لك أمرا) كما هو دور التلميذ مع أستاذه الذي يثق بكفاءته وحسن تقديره للأمور، وإخلاصه في سبيل رفع مستواه.
ولكن العبد الصالح يريد أن يحدد المسألة في دائرة محددة في خط الأسلوب العملي للمعرفة.. فهو لا يريد أن يبادر تلميذه بالمعرفة، ولا يريد له أن يبادره بالسؤال.. بل يريد له أن يتأمل، ويثير الفكرة في داخله، ويحاول أن يحصل على طبيعة التعمق في القضايا من خلال المعاناة الفكرية التي تمنحه قوة عقلية متقدمة، كما يريد له أن يحصل على ملكة الصبر في مواجهة المشاكل الفكرية المعقدة، فلا يستعجل الوصول إليها قبل توفر عناصر النضوج لديه فيتحول إلى إنسان سطحي في تفكيره..
(قال فإن اتبعتني فلا تسألن عن شيء) مما لم تعرف وجهه، ولم تحط بخفاياه (حتى أحدث لك منه ذكرا) وأبدأ حواري معك، عندما تحين اللحظة المناسبة، التي أرى فيها المصلحة للحديث عن الموضوع معك.. وهذا هو شرطي الوحيد الذي أضعه أمامك للموافقة على أن تصاحبني في هذا الطريق " (1).
وقفة قصيرة ونقول:
1 - إن موسى (ع) لم يسأل العبد الصالح انطلاقا من غريزة الفضول لديه، بل انطلاقا من الإحساس بالتكليف الشرعي القاضي بعدم السكوت على ما يخالف أحكام العقل والفطرة والدين. ولو بحسب الظاهر، فبادر إلى