وتسعين بعد أن استكمل حشده ونادى في قومه واعترض عساكره وأجزل أعطياتهم وأزاح عللهم وارتحل في التعبية واحتل بساحة تلمسان ثاني شعبان وأناخ عليها واضطرب معسكره بفنائها وحجز عثمان بن يغمراسن وحاميتها من قومه وأدار الأسوار سياجا على عمرانها كله ومن ورائها نطاق الحفير البعيد المهوى ورتب المسالح على أبوابها وفروجها وسرح عساكره لمحاصرتها فاقتحموها وآتوا طاعتهم وأوفد مشيختهم وسط شعبان ثم سرح عساكره لمحاصرة وهران وتقري البسائط ومنازلة الأمصار فأخذت مازونة في جمادى الآخرة من سنة تسع وتسعين وتنس في شعبان بعده وتالموت والقصبات وتامزردكت في رمضان منه وفيه كان فتح مدينة وهران وسارت عساكره في الجهات إلى أن بلغت بجاية كما نذكره وأخذ الرعب بقلوب الأمم بالنواحي وتغلب على ضواحي مغراوة وتوجين وسارت فيها عساكره ودوختها كتائبه واقتحمت أمصارها مثل مليانة ومستغانم وشرشال والبطحاء ووانشريس والمرية وتافركينت وأطاعه زيرى المنتزى ببرشك وأتى بيعته وابن علان المنتزى بالجزائر وأزعج الناكثين منهم عن طاعته واستألف أهل الطاعة كما نذكره وحذره الموحدون من ورائهم بإفريقية ملوك بجاية وملوك تونس فمدوا إليه يد المواصلة ولاطفوه بالمتاحفة والمهاداة كما نذكره وخاطب صاحب الديار المصرية ملك الترك وهاداه وراجعه كما نذكره ووفد عليه شرفاء مكة بنى نمى كما نذكر وهو في خلال ذلك مستجمع للمطاولة بالحصار والتضييق متجاف عن القتال الا في بعض الأيام ولم تبلغ أربعة أو خمسة ينزل شديد العقاب والسطوة بمن يميرها ويأخذ بالمرصاد على من يتسلل بالأقوات إليها قد جعل سرداق الأسوار المحيطة ملاكا لامره في ذلك فلا يخلص إليهم الطيف ولا يكاد يصل إليهم العيث مدة مقامه عليها إلى أن هلك بعد مائة شهر كما نذكره واختط بمكان فسطاط المعسكر قصرا لسكناه واتخذ به مسجد الصلاة وأدار عليها السور وأمر الناس بالبناء فبنوا الدور الواسعة والمنازل الرحيبة والقصور الأنيقة واتخذوا البساتين وأجروا المياه ثم أمر بإدارة السور سياجا على ذلك سنة ثنتين وسبعمائة وصيرها مصرا فكانت من أعظم الأمصار والمدن وأحفلها اتساع خطة وكثرة عمران ونفاق أسواق واحتفال بناء وتشييد منعة وأمر باتخاذ الحمامات والمارستان وابتنى مسجدا جامعا وشيد له مأذنة رفيعة فكان من أحفل مساجد الأمصار وأعظمها وسماها المنصورة واستبحر عمرانها ونفقت أسواقها ورحل إليها التجر بالبضائع من الآفاق فكانت احدى مدائن المغرب وخربها آل يغمراسن عند مهلكه وارتحال كتائبه بعد أن كان بنو عبد الواد أشرفوا على الهلاك وأذنوا بالانقراض كما نذكره فتداركهم من
(٢٢١)